دير الزور.. نموذج مصغر لتعقيدات المشهد السوري
مراسلو الجزيرة نت
6/12/2024–|آخر تحديث: 6/12/202409:45 م (بتوقيت مكة المكرمة)
دير الزور- تشكل محافظة دير الزور -الواقعة شرقي سوريا ثاني أكبر محافظة من حيث المساحة بعد حمص– نموذجًا مصغرًا لتعقيدات المشهد السوري، حيث تتقاطع فيها مصالح القوى المسيطرة، إذ تزداد معاناة الأهالي بينما تسعى الأطراف المحلية لتعزيز مواقعها، وفي ظل الانقسامات الجغرافية والسياسية، يبقي مستقبل المحافظة رهين التطورات الميدانية التي تعيد تشكيل خريطة السيطرة في سوريا.
ووفقًا لمصادر خاصة للجزيرة نت، عُقد -خلال الساعات القليلة الماضية- اجتماع في بلدة الصالحية عند مدخل دير الزور بين الجنرال الروسي المسؤول عن القوات الروسية في المنطقة، وقادة من قوات سوريا الديمقراطية، ومسؤولين من أفرع الأمن التابعة للنظام، حيث تم الاتفاق خلال الاجتماع على “التعاون في مواجهة الإرهاب”.
وبعد الاجتماع، انسحبت الفرقة الرابعة للجيش السوري إلى دمشق، في حين أخلت القوات الإيرانية مواقعها في المحافظة وتمركزت في مدينة البوكمال، بحسب ما أكده الصحفي عبد المعين الدندل في حديثه للجزيرة نت، كما انسحب الحشد الشعبي العراقي إلى داخل الأراضي العراقية عبر معبر البوكمال.
وفي حين خلق هذا الانسحاب السريع حالة من الإرباك في المحافظة، لا يزال الموقف الأميركي غير واضح، لا سيما في ظل الاتفاقيات التي أبرمتها قوات سوريا الديمقراطية مع روسيا، والتي قد تؤثر على إستراتيجية التحالف الدولي في المنطقة.
تسلسل الأحداث
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011، خرج أهالي محافظة دير الزور -التي يقدّر عدد سكانها بنحو 1.3 مليون نسمة- في مظاهرات سلمية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، لكنها سرعان ما تحولت إلى مواجهات مسلحة، أجبرت السكان على حمل السلاح لتحرير مدنهم وقراهم، وبحلول عام 2013، كانت المحافظة تحت سيطرة الفصائل السورية المسلحة بالكامل، باستثناء المطار العسكري وحيي الجورة والقصور.
وشهدت نهاية عام 2013 صدامات عنيفة بين تنظيم الدولة الإسلامية من جهة، والجيش السوري الحر وجبهة النصرة (قبل أن تبدل اسمها إلى جبهة فتح الشام) من جهة أخرى، استمرت نحو 7 أشهر، وانتهت بسيطرة التنظيم على أجزاء كبيرة من المحافظة منتصف عام 2014.
لكن مع حلول عام 2017، بدأ الجيش السوري -مدعوما بقوات إيرانية وروسية- بشن هجمات لاستعادة السيطرة على المنطقة، وفي الوقت نفسه تقدمت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بدعم من التحالف الدولي.
وأسفرت هذه العمليات عن تقسيم المحافظة إلى قسمين على ضفتي نهر الفرات، غربية تحت سيطرة القوات السورية والإيرانية، وشرقية تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، باستثناء جيوب صغيرة في غرب النهر، أبرزها القرى السبعة.
ومثلت القرى السبعة الممتدة بين الحسينية غربًا وخشام شرقًا عقبة كبيرة أمام قوات سوريا الديمقراطية، إذ تعتبر جيوبًا للحكومة السورية والفصائل الإيرانية ضمن مناطق سيطرة “قسد”، وتشكل خطرًا أمنيًا مستمرًا بسبب قربها من مواقع التحالف الدولي، كما أنها تسببت بنزوح مستمر للأهالي باتجاه مناطق أخرى مثل العزبة.
من جهة أخرى، تعتبر إيران وجودها في هذه القرى إستراتيجيًا، بسبب الحاضنة البشرية المتمثلة بسكان منطقة حطلة، حيث تستخدم المنطقة لتجنيد عناصر تابعة لها وتوسيع نفوذها.
حجر العثرة
في الثالث من ديسمبر/كانون الأول الجاري، حاول مجلس دير الزور العسكري التابع لقوات سوريا الديمقراطية، مدعومًا من التحالف الدولي، السيطرة على القرى السبعة تحت مسمى معركة العودة، وفقًا لمصادر خاصة للجزيرة نت، حيث بدأ الهجوم بتمهيد مدفعي وتحرك للجرافات لإزالة الحواجز على خطوط التماس.
لكن الهجوم توقف بعد ساعتين فقط، نتيجة وصول تعزيزات من قوات النظام والمليشيات الإيرانية، مما أدى لتنفيذ التحالف الدولي ضربات جوية استهدفت مواقع للحرس الثوري الإيراني.
ويقول الخبير العسكري العقيد فايز الأسمر للجزيرة نت إن “الهجوم على القرى السبعة يعكس رغبة التحالف الدولي بتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة”، مشيرا إلى أن وجود هذه القرى ضمن مناطق سيطرة قسد يشكل خطرًا مزدوجًا على قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي، “مما يستوجب تحركًا عسكريًا أكثر تنسيقًا وفعالية لتحقيق أهداف إستراتيجية، لاسيما التوقيت الذي استغلته قسد، مستثمرة نجاح معركة ردع العدوان” حسب قوله.
ويرى الناشط الإعلامي فراس العجيل في حديثة للجزيرة نت أن “توقف المعركة دون تحقيق أهدافها كان رسالة من قسد لإظهار فشل المكون العربي المتمثل بمجلس دير الزور العسكري”، مؤكّدًا أن أي نجاح مستقبلي يتطلب قيادة مباشرة من قسد.
وتسببت الاشتباكات في موجة نزوح جديدة من القرى السبعة، حيث عبر الأهالي جسر الحسينية باتجاه مناطق أكثر أمنًا، ولجؤوا في البداية إلى المدارس، لكن فروع الأمن قامت بطردهم، مما أجبرهم على الاحتماء بالحدائق والمساجد.
ويصف جاسم العلي للجزيرة نت من أهالي دير الزور الوضع الإنساني في المدينة بـ”الكارثي”، مشيرًا إلى معاناة الأطفال والنساء في ظل البرد القارس وغياب المساعدات، أما حامد الخلوف، فقد أوضح أن وجود أقارب له في مدينة دير الزور ساعده على إيجاد مأوى لعائلته، لكنه أكد أن معظم النازحين لم يجدوا حلولا مماثلة.