في تطور لافت يعكس إعادة هيكلة واسعة في القيادة الأمنية الإسرائيلية، رشح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اللواء رومان غوفمان، سكرتيره العسكري الحالي، لمنصب مدير جهاز الموساد. يأتي هذا الترشيح في خضم حالة من التدقيق المتزايد في أداء المؤسسة الأمنية بعد فشل الاستخبارات في توقع هجوم السابع من أكتوبر 2023، ويبرز التغيرات الجذرية التي أدخلها نتنياهو على رأس هرم الأمن القومي الإسرائيلي.
يوم السابع من أكتوبر 2023، بينما كانت أنباء تسلل مقاتلين من كتائب القسام إلى محيط سديروت تتوالى، غادر اللواء غوفمان، حينها ضابط في الجيش، مقر إقامته في أسدود متوجهًا جنوبًا للانضمام إلى القوات المتطوعة. شهدت الساعات الأولى للهجوم ارتباكًا واضحًا في المنظومة الأمنية، ونشرت القوات في نقاط متفرقة دون قيادة مركزية واضحة. خلال تلك الاشتباكات الأولية بالقرب من مفترق شعار هنيغف، أصيب غوفمان بجروح خطيرة في الركبة، ليُسجل اسمه كأعلى ضابط رتبة يُصاب في ذلك اليوم.
إعادة تشكيل القيادة الأمنية وتداعيات هجوم أكتوبر
لم يكن ترشيح غوفمان لقيادة الموساد حدثًا منعزلاً، بل جاء تتويجًا لسلسلة من التغييرات التي طالت كبار المسؤولين في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. بدأت هذه التغييرات باستقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا في أبريل 2024، تحملًا منه مسؤولية الإخفاق الاستخباري الذي سبق هجوم السابع من أكتوبر. تبع ذلك أزمة ثقة بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، أدت في النهاية إلى إقالة جالانت وتعيين يسرائيل كاتس بدلًا منه في نوفمبر 2024.
وفي مطلع عام 2025، قدم رئيس الأركان هرتسي هاليفي استقالته، ليُضاف بذلك اسم جديد إلى قائمة المسؤولين الذين تحملوا مسؤولية الفشل في منع الهجوم. ثم اشتعل الخلاف حول رئيس جهاز الشاباك رونين بار، الذي رفض رئيس الوزراء إقالته بعد نتائج التحقيق الداخلي في أحداث أكتوبر، مما أدى إلى نزاع قضائي انتهى باستقالة بار في نهاية المطاف. اختيار اللواء ديفيد زيني، على الرغم من قلة خبرته الاستخبارية، لقيادة الشاباك، أثار جدلاً حول إعطاء الأولوية للاعتبارات السياسية على الكفاءة المؤسسية.
سيرة ذاتية مثيرة للجدل
ولد رومان غوفمان في بيلاروسيا عام 1975، وهاجر مع عائلته إلى إسرائيل عام 1990. انضم إلى الجيش الإسرائيلي عام 1995، وتدرج في رتبه داخل سلاح المدرعات، حيث اكتسب خبرة ميدانية واسعة في العمليات العسكرية في جنوب لبنان وقطاع غزة والضفة الغربية. حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من كلية أشكلون، ثم درجة الماجستير في العلوم السياسية والأمن القومي من جامعة حيفا.
قبل توليه منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء في مايو 2024، شغل غوفمان منصب رئيس أركان منسق أعمال الحكومة في المناطق، حيث تعامل مع ملفات مدنية وأمنية معقدة. خلال فترة عمله كسكرتير عسكري، قدم غوفمان وثيقة دعت إلى فرض إدارة عسكرية في قطاع غزة، وهو ما يعكس رؤيته الأمنية المتشددة.
دور السكرتير العسكري وأهمية الترشيح للموساد
يُعتبر منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء من المناصب الحساسة والمؤثرة في النظام الأمني الإسرائيلي. يعمل السكرتير العسكري كحلقة وصل مباشرة بين رئيس الوزراء والجيش والأجهزة الأمنية، وينقل التوجيهات ويراقب تنفيذها. يُتيح له هذا الدور الوصول إلى معلومات استخبارية وسياسية حساسة، والمشاركة في صياغة القرارات الأمنية، بل ويقدم استشارات مباشرة لرئيس الوزراء.
إن ترشيح غوفمان لمنصب مدير الموساد، بعد مسيرته القصيرة نسبيًا في الجهاز الأمني، يمثل تحولًا يُنظر إليه على أنه يعكس رغبة نتنياهو في إحكام السيطرة على جهاز الاستخبارات، وضمان ولاء قيادته له بشكل كامل. يعكس هذا التوجه تركيزًا على الكفاءة التنفيذية والتكتم، على حساب الخبرة المؤسسية والتخصصية.
يأتي هذا الترشيح في سياق غياب عقيدة أمن قومي إسرائيلية رسمية تحدد الإطار الاستراتيجي لسياسة الدولة الأمنية. على الرغم من الجهود السابقة لصياغة مثل هذه العقيدة، لم يتم اعتماد أي منها رسميًا، مما يجعل التعيينات في المناصب الأمنية العليا أكثر أهمية في تحديد اتجاهات السياسة الأمنية.
من المتوقع أن تتم الموافقة على ترشيح غوفمان من قبل الحكومة الإسرائيلية في الأسابيع القادمة. لكن ما يثير التساؤلات هو مدى قدرة غوفمان على قيادة الموساد بنجاح، دون خبرة سابقة في الجهاز، وكيف ستنعكس هذه القيادة على مستقبل عمل الموساد، وعلى العلاقات الإسرائيلية مع الدول الأخرى. يجب مراقبة التطورات المتعلقة بهذا الترشيح عن كثب، وتقييم الآثار المحتملة على الأمن القومي الإسرائيلي.
