Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافة وفنون

ساحة المرجة.. قلب دمشق النابض بتاريخ يتجدد

تتربّع ساحة المرجة في قلب دمشق الحديثة، عند الممرّ الذي يصل الأسواق العتيقة بالعالم الرحب، كجوهرة من حجر وزمان. تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتحمل في طياتها تاريخ المدينة وذاكرتها. تُعدّ المرجة ملتقى طرق الناس، حيث تلتقي الوجوه والذكريات وتتقاطع مسارات الحياة اليومية.

تشكل ساحة المرجة نسيج وصل حيّا بين الأسواق المغطاة والجامع الأموي من جهة، والمباني الإدارية في الشمال ومحطة الحجاز في الجنوب، ما جعلها ساحة مواعيد وملتقى عمال وطلاب وزوار يقفون على أرصفتها صباحا ومساء. يبدأ المشهد بإيقاع متصاعد منذ الفجر، مع عربات الخبز والجرائد وباعة الزهور والموظفون يحملون الملفات والحقائب.

شبكة المكان في الجغرافيا الدمشقية

تحتوي ساحة المرجة على العديد من المعالم الهامة، مثل البرج التذكاري الذي أُقيم لتخليد دخول الاتصالات الحديثة إلى دمشق، ويُعتبر علامة لهويّة الساحة. كما تتميز الساحة بالنسيج المعماري الذي يمزج بين الطراز العثماني والحداثة، مع واجهات أنيقة وأقواس عالية وشرفات حديدية.

يلعب الموقع الجغرافي لساحة المرجة دورا هاما في جعلها ملتقى للجهات ومرآة للمدينة. تتربع في قلب دمشق النابض، عند نقطة تجمع بين الماضي والحاضر، وتفتح أبوابها على الجهات الأربع كأنها ميزان المدينة الذي يضبط الإيقاع ويوزع الأنفاس.

الاسم الذي يُنبت المعنى

استمدت المرجة اسمها من “المرج”؛ الأرض الخضراء التي تكسوها الأعشاب وتغمرها مياه بردى. كانت قديما منخفضا خصبا تحيطه السواقي والبساتين، يتحول في الربيع إلى بساط أخضر لامع. ومع مشروع ناظم باشا لتحديث دمشق، جُفّفت المستنقعات وسُوّيت الأرض وزُرعت الأشجار، لتتحول إلى ساحة حجرية حديثة بقيت تحمل اسمها تذكيرا بأصلها المائي.

صار الاسم جسرا بين مرحلتين من مرعى خصب ومتنزّه طبيعي إلى مركز إداري وتجاري نابض بالحياة. وبقيت دلالته على الخصب والانفتاح والارتواء علامة لهوية المكان الذي يجمع بين نكهة الماء وحضور الحجر.

الموقع.. ملتقى الجهات ومرآة المدينة

تُجاور ساحة المرجة من الشرق الأسواق التاريخية؛ الحميدية، البزورية، مدحت باشا، ومن الغرب الأبنية الحديثة بما تحويه من إدارات وفنادق ومصارف. من الجنوب، تمتد محاور الميدان وامتداد شارع خالد بن الوليد، ومن الشمال الوزارات والساحات الرسمية مثل يوسف العظمة والأمويين.

تلتقي في الساحة 3 شوارع رئيسة: شارع النصر نحو المقرات الحكومية، شارع الثورة باتجاه العباسيين والمناطق الشرقية، وشارع خالد بن الوليد نحو الميدان والأحياء الجنوبية. بهذه المحاور غدت المرجة عقدة مرورية مركزية تمرّ بها الحافلات والسيارات وتختلط فيها الحركة التجارية والإدارية والسياحية.

ملامح الساحة وصفاتها

تتجلّى ساحة المرجة كفسحة مركزية فسيحة في قلب دمشق الحديثة، تجمع بين الجمال الهندسي والرمزية التاريخية. يتوسّطها البرج التذكاري الذي شُيّد عام 1907 في عهد السلطان عبد الحميد الثاني تخليدا لدخول التلغراف إلى دمشق وربطها بإسطنبول.

يُحيط بالبرج التذكاري سور من الحديد المطروق، ونوافير ماء وأحواض زهور دائمة الخضرة تعيد إلى الذهن الأصل المائي لاسم الساحة، وتمنحها برودة وحياة وسط الزحام. يضمّ النسيج العمراني المحيط مباني عثمانية الطابع شرقا بواجهات حجرية وأقواس عالية وشرفات مزخرفة.

مرجة الذاكرة والرمز

رأت المرجة مواكب الاحتفالات والتشييع، واحتضنت وقفات الحزن في صباحات مايو/أيار، وشهدت مواسم التظاهر والخطابة. مرّ بها الترام القديم ثم شبكات النقل الحديثة، فغدت مدرسة انتقال من عصر إلى عصر وصندوقا لذاكرة المدينة المعبّقة بالهتاف والدموع والدعاء.

تُعد الساحة مرآة مفتوحة على الذاكرة الوطنية ومسرحا لأحداث كبرى رسّختها في الضمير العربي بوصفها رمزا للشهادة والكرامة والنهضة. في صباح 6 مايو/أيار عام 1916، نُفِّذت في الساحة أحكام الإعدام التي أصدرها الوالي العثماني جمال باشا بحق كوكبة من الزعماء والمثقفين العرب.

التحديات المستقبلية.. توازن بين الذاكرة والتحديث

تتقدم ساحة المرجة نحو مستقبل مزدحم بالأسئلة، يقف عند مفترق دقيق بين الوفاء للماضي والاستجابة لمقتضيات الحاضر. مركزها الحيوي ومكانتها الرمزية يفرضان عليها أن تكون نموذجا في صون التراث وإدارة الحداثة معا، مشروعا متكاملا يُنصف التاريخ ويحسن خدمة المدينة.

الحاجة الملحّة إلى ترميم شامل للأبنية التاريخية المحيطة بالساحة، وإعادة تأهيلها بموادها الأصلية. يتطلّب الأمر مسحًا هندسيا دقيقا لتحديد حال كل واجهة، وإنشاء لجنة فنية دائمة تشرف على الصيانة الدورية.

ضغط المرور المتزايد يستدعي خطة نقل حضرية جديدة؛ مسارات مخصّصة للحافلات العامة وسيارات الأجرة، وإنشاء مواقف تحت الأرض أو على الأطراف تُخفّف من ازدحام المركبات حول قلب الساحة. وتحتاج ظلالا لتستعيد المرجة دورها كميدان للناس وليس مجرّد عقدة سير.

إطلاق مشروع إضاءة فنية تُبرز البرج التذكاري والنوافير ليلا، وتنسيق حضري جديد للحدائق والنوافير باستخدام نباتات محليّة. تصميم يافطات موحّدة للمحال التجارية تعكس الطابع التراثي وتُزيل الفوضى البصرية الناتجة عن التنوّع غير المنضبط في الخطوط والألوان.

تأسيس مركز زوّار صغير يقدّم شروحا مصوّرة عن تاريخ الساحة وأحداثها الوطنية. تنظيم مهرجانات سنوية تُحيي ذكرى الشهداء في السادس من مايو/أيار تترافق مع عروض فنية وإنشادية تستعيد روح الفداء.

تنظيم العقارات التجارية وفق مخطّطٍ يُوازن بين الوظيفة الاقتصادية والطابع التراثي. تشجيع الأنشطة الصغيرة ذات البصمة الدمشقية؛ مقاهٍ تراثية، ومكتبات مصغّرة، ومحال للعطارة والهدايا اليدوية.

إدماج الساحة ضمن إستراتيجية التنمية المستدامة للعاصمة؛ استخدام الطاقة الشمسية في الإنارة، وإدارة ذكية للمياه في النوافير والحدائق. ليصبح كل منهم شريكا في الحفاظ على هوية الساحة، وتعزيز الربط بين التراث والاقتصاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى