سوريون غاضبون: لماذا يهاجمون من يحمي الاحتجاجات؟

شهدت عدة مدن في الساحل السوري اليوم الأحد 28 ديسمبر 2025، مظاهرات احتجاجية بدعوة من غزال غزال، وهو شخصية بارزة من الطائفة العلوية، تزعم وجود انتهاكات تستهدف أبناء طائفته. وقد تعاملت قوات الأمن السورية مع هذه المظاهرات بحذر، مع التركيز على تأمين المتظاهرين ومنع أي تصعيد. ومع ذلك، تطورت الأحداث بشكل مفاجئ إلى اشتباكات مسلحة، مما أثار تساؤلات حول الجهات المستفيدة من هذا الوضع المتأزم.
ووفقًا لمصادر في وزارة الداخلية السورية، فقد تعرضت قوات الأمن لهجوم بالأسلحة النارية من قبل مسلحين يُزعم أنهم من بقايا الجماعات المسلحة المعارضة. وأدى هذا الهجوم إلى وقوع إصابات ووفيات في صفوف قوات الأمن المكلفة بحماية المظاهرات، مما أثار غضبًا واسعًا في الشارع السوري.
تصعيد الأوضاع في الساحل السوري: تحليل للمظاهرات والاشتباكات
تأتي هذه المظاهرات في سياق التوترات القائمة في سوريا، والتي تتفاقم بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة والغموض السياسي. وتعتبر دعوة غزال غزال للتظاهر بمثابة تطور جديد في المشهد السوري، حيث أنه من النادر أن تشهد مناطق سيطرة الحكومة السورية احتجاجات بهذا الشكل العلني.
وتشير التقارير إلى أن قوات الأمن السورية حاولت في البداية التعامل مع المظاهرات بحذر شديد، وتجنب أي استخدام للقوة. لكن الهجوم المسلح الذي تعرضت له، غيّر من طبيعة التعامل مع الوضع، وأجبر قوات الأمن على اتخاذ إجراءات أكثر حزمًا لحماية نفسها والممتلكات العامة.
ردود الفعل على الاشتباكات
أثارت الاشتباكات المسلحة ردود فعل متباينة في الشارع السوري. فقد أعرب العديد من المواطنين عن غضبهم واستنكارهم للهجوم على قوات الأمن، واعتبروه محاولة لزعزعة الاستقرار وتقويض سلطة الدولة. في المقابل، اتهم البعض قوات الأمن بالتحريض على العنف والتسبب في تصعيد الأوضاع.
وانتقد نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي استهداف قوات الأمن، مؤكدين أن حماية الأمن العام هي مسؤولية أساسية للدولة. وأشاروا إلى أن الديمقراطية لا تعني الفوضى، وأن أي مظاهرات يجب أن تتم في إطار قانوني واضح ومنظم. كما تساءلوا عن دوافع الجهات التي تقف وراء الهجوم المسلح، وما إذا كانت تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية معينة.
اتهامات بوجود أجندة خفية
تزايدت الاتهامات بوجود أجندة خفية وراء هذه المظاهرات، حيث يرى البعض أنها محاولة من قبل “فلول النظام السابق” لإعادة إنتاج أنفسهم واستغلال الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لتحقيق مكاسب سياسية. ويشير هؤلاء إلى أن خطاب “الحماية” الذي يتبناه غزال غزال، هو مجرد غطاء لإخفاء أهدافهم الحقيقية.
من جانبه، صرح حسن صوفان، رئيس اللجنة العليا للسلم الأهلي في سوريا، بأن الدولة تتعامل مع الوضع بحكمة وحزم، وتسعى إلى احتواء الأزمة وتجنب التصعيد. وأكد صوفان أن الدولة ملتزمة بإجراء الإصلاحات اللازمة لتحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق الاستقرار المجتمعي، مشيرًا إلى أن إطلاق سراح المعتقلين الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء، هو جزء من هذه الإصلاحات.
وتشير بعض التحليلات إلى أن هذه الأحداث قد تكون مرتبطة بالتحركات الأخيرة التي تشهدها مناطق أخرى في سوريا، مثل الجنوب والشرق، حيث تشهد أيضًا احتجاجات واضطرابات أمنية. ويرى مراقبون أن هناك محاولة منسقة لزعزعة الاستقرار في سوريا، وأن الجهات التي تقف وراء هذه التحركات، تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية واقتصادية معينة.
وتعتبر قضية المظاهرات في سوريا قضية معقدة وحساسة، تتطلب معالجة دقيقة ومسؤولة. فمن ناحية، يجب احترام حق المواطنين في التعبير عن آرائهم والمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية. ومن ناحية أخرى، يجب الحفاظ على الأمن والاستقرار، ومنع أي محاولة لزعزعة النظام أو تقويض سلطة الدولة. الاحتجاجات الأخيرة تظهر مدى هشاشة الوضع في سوريا، وضرورة إيجاد حلول سياسية واقتصادية شاملة، تعالج جذور المشكلة وتضمن حقوق جميع المواطنين.
الأمن في الساحل السوري يمثل أولوية قصوى، خاصة وأن هذه المنطقة تعتبر حيوية بالنسبة للحكومة السورية. وتسعى قوات الأمن إلى تطويق المظاهرات ومنع انتشارها إلى مناطق أخرى، كما أنها تقوم بملاحقة المسلحين الذين تورطوا في الهجوم على قوات الأمن. الوضع الأمني يتطلب تعاونًا وثيقًا بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة السورية والمجتمع المدني والقوى السياسية المعارضة.
التحركات السياسية في سوريا تشهد تطورات متسارعة، خاصة بعد إعلان الحكومة عن مبادرة إصلاحية تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية وتحقيق الاستقرار السياسي. لكن هذه المبادرة تواجه تحديات كبيرة، بما في ذلك المعارضة من قبل بعض القوى السياسية التي ترفض أي حوار مع الحكومة. الوضع السياسي يتطلب حكمة وبعد نظر، وإيجاد أرضية مشتركة بين جميع الأطراف المعنية، من أجل تحقيق السلام والاستقرار في سوريا.
من المتوقع أن تعقد الحكومة السورية اجتماعًا طارئًا في الأيام القليلة القادمة، لمناقشة تطورات الوضع في الساحل السوري، واتخاذ الإجراءات اللازمة للتعامل مع الأزمة. كما من المتوقع أن تقوم الحكومة بإطلاق حوار مع ممثلي الطائفة العلوية، بهدف فهم مطالبهم ومعالجة مخاوفهم. يبقى الوضع في سوريا غير مؤكد، ويتطلب متابعة دقيقة وتحليلًا معمقًا.





