غزة وبيروت.. وجهان لدمار واحد
يبدو أن فصول المجازر ومشاهد الدمار المستمرة في قطاع غزة منذ نحو عام ستكرر نفسها على الساحة اللبنانية، بل إن الأحداث تستنسخ، وكأن غزة وبيروت وجهان لعملة واحدة، فحتى مفاوضات التهدئة، ومساعي التوصل إلى صفقة متبادلة ووقف إطلاق نار، ووقف الحرب، التي طالما أفشلها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بشروطه التعجيزية، التي يحاول مراراً فرضها خدمة لمصالحه الشخصية والسياسية، بدت وكأنها تعيد نفسها.
فبعد أن أوحى نتانياهو لوزير الشؤون الاستراتيجية في إسرائيل رون ديرمر بالموافقة على المبادرة الأمريكية الفرنسية، المنادية بوقف إطلاق النار في لبنان لمدة 21 يوماً، وبينما كانت الإدارة الأمريكية تستعد لإعلان تفاصيل المبادرة على الملأ، تراجع نتانياهو عن ما وصفه مراقبون بالتفاهمات الصامتة، مهدداً بشن المزيد من الهجمات على بلاد الأرز، وكان رده أن أعطى الضوء الأخضر لجيشه بتصعيد الغارات على بيروت، وبالتوازي مع ذلك، ارتكاب مجازر جديدة في قطاع غزة، كما جرى في مدرسة الفالوجا.
ضغوط سياسية
ويقول باحثون مختصون في الشؤون الإسرائيلية إن نتانياهو تعرض لضغوط سياسية كبيرة من أقطاب ائتلافه الحكومي لتغيير بعض مواقفه، لكنه رد على هذه الضغوطات بتحريك وزراء آخرين من حزب الليكود، طالباً منهم الإدلاء بتصريحات يسهل التراجع عنها كلما اقتضت الحالة، ومنها ما صدر على لسان وزيرة الاستيطان، ليحافظ على وجوده في سدة الحكم، ويفلت من إقالته أو محاسبته.
ويستشف المتتبع لتصريحات نتانياهو الأخيرة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه هو من أعطى التعليمات لتصعيد الاغتيالات في لبنان، وأن سياسته ونهجه الاستمرار في ضرب معاقل «حزب الله» بكل قوة، حتى تحقيق كل أهدافه، وفي مقدمتها تقويض أركان «حزب الله»، وعودة مستوطني الشمال إلى منازلهم، وهو السيناريو ذاته الذي يعمل به في قطاع غزة، إذ يصر نتانياهو على استمرار الحرب هناك حتى تحقيق أهدافها، وعلى رأسها القضاء على حركة «حماس»، وتحرير المحتجزين الإسرائيليين، وعودة مستوطني غلاف غزة إلى منازلهم التي فروا منها في 7 أكتوبر.
ووفق مراقبين، فمن غير المعقول في هذه المرحلة، وخصوصاً بعد تصفية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وعدد من قادة وكوادر الحزب، أن يجنح نتانياهو إلى حل سياسي، مرجحين أن يواصل الحرب في كل من غزة وبيروت، بل إن التمهيد جارٍ لاختبار التضاريس الصعبة في لبنان، من أجل بدء غزو بري.
سيناريو مشابه
يقول الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد إن إسرائيل تواصل حربها على غزة دون أي التفات للمبادرات السياسية أو القرارات الأممية والدولية، وعلى أبواب العام الأول للحرب، توجه نيرانها هذه الأيام نحو لبنان، ملحقة خسائر جمة في الأرواح والممتلكات والمنشآت، في سيناريو مشابه تماماً لما جرى في قطاع غزة.
ويوضح أبو عواد: «لا يمكن للطرفين (غزة وبيروت) القبول بالشروط الإسرائيلية بعد كل هذه الموجات من النزوح، والأعداد الهائلة من الضحايا، وتدمير المباني، قبل الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ووقف الحرب على الجبهتين»، مشدداً: «من الصعب، إن لم يكن المستحيل، عزل مصير لبنان عن غزة».
وفي حين تعتقد واشنطن أن الوقت ما زال كافياً للتوصل إلى تسوية سياسية تمنع اندلاع حرب شاملة، إلا أنها تبدو مهتمة بالقضاء على حركة «حماس» في غزة و«حزب الله» في لبنان، ومرد ذلك أنها تصف هذه الحركات والمنظمات بأنها إرهابية، الأمر الذي عده مراقبون تشجيعاً أمريكياً وضوءاً أخضر لإسرائيل لمواصلة الحرب على كلتا الجبهتين، وهو ما أثار مخاوف كبيرة عند اللبنانيين من مواجهة سيناريو غزة.