فورين أفيرز: الحلفاء يبحثون عن بديل لمظلة الحماية الأميركية

بعد عقود من الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن للنظام الدولي، يواجه حلفاء واشنطن واقعًا جديدًا مقلقًا: تراجع الدور الذي لطالما لعبته أمريكا في الحفاظ على الاستقرار العالمي. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل التحالفات الدولية، ويجبر الدول على إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية والسياسية. وتُشير تحليلات حديثة إلى أن الولايات المتحدة لم تعد ترى في دور الضامن العالمي استثمارًا يستحق التكلفة السياسية والاقتصادية والعسكرية المتزايدة، مما يدفع حلفاءها للبحث عن بدائل.
وفي مقال نشرته مجلة فورين أفيرز، قدم فيليب غوردون، مستشار الأمن القومي السابق لكامالا هاريس، ومارا كارلين، مساعدة وزير الدفاع السابقة للشؤون الإستراتيجية والخطط، تقييمًا متشائمًا للوضع الراهن. وحلل الكاتبان كيف بدأت إدارة الرئيس دونالد ترامب في إحداث هذا التحول، مما دفع حلفاء أمريكا إلى التفكير بجدية في “الخطة ب” في عالم يزداد اضطرابًا وتعقيدًا.
تغيرات في السياسة الخارجية الأمريكية
على مدى ثمانين عامًا تقريبًا، اعتمد رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون على فكرة أساسية مفادها أن أمن وازدهار أمريكا يعتمدان على الحفاظ على التحالفات، وردع العدوان، ودعم التجارة الحرة، والاستثمار في المؤسسات الدولية. ومع ذلك، يرى غوردون وكارلين أن الولاية الثانية لإدارة ترامب تمثل نقطة تحول حاسمة في هذا النهج.
بخلاف الولاية الأولى التي شهدت وجود شخصيات “عولمية” حاولت كبح جماح النزعات الانعزالية، يحيط الرئيس ترامب حاليًا بفريق من المسؤولين الذين يعتبرون التحالفات عبئًا، والالتزامات الخارجية استنزافًا غير مبرر للموارد الأمريكية. ويشير الكاتبان إلى أن هذا التغيير الجوهري يكمن في طبيعة الفريق المحيط بالرئيس، حيث يساور أعضائه شكوك عميقة تجاه قيادة أمريكا للعالم.
تأثير الفريق المحيط بالرئيس
حتى شخصيات مثل وزير الخارجية الحالي ماركو روبيو، الذي كان في السابق من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان والسياسة الخارجية الحازمة، بدت وكأنها تخلت عن قناعاتها السابقة لتبقى منسجمة مع ترامب وقاعدته السياسية. وتستند الرؤية السائدة داخل الإدارة إلى افتراضات واضحة، وهي أن التحالفات غير ضرورية، والأنظمة الاستبدادية أسهل في التعامل من الديمقراطيات، والنظام التجاري المفتوح يضر بالمصالح الأمريكية، ويمكن للولايات المتحدة الدفاع عن نفسها دون شركاء.
وبالتالي، يرى الكاتبان أن عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، القائم على تحالفات ديمقراطية تقودها واشنطن، آخذ في الزوال. هذا التحول يثير مخاوف بشأن مستقبل النظام الدولي القائم، ويضع حلفاء الولايات المتحدة أمام تحديات جديدة.
مظلة أمنية ممزقة
يتجلى هذا التحول بوضوح في تعامل الإدارة مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). فبينما أكد رؤساء أمريكيون سابقون على الالتزام الصارم بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف، ربط ترامب هذا الالتزام بمسألة “دفع الفواتير”. بل ذهب إلى حد التلويح بالسيطرة على جزيرة غرينلاند، وهي دولة حليفة، حتى بالقوة العسكرية، ما أثار احتمال استخدام الولايات المتحدة قوتها ضد حليف أطلسي بدل الدفاع عنه.
ويستشهد الكاتبان بموقف واشنطن المتخاذل عندما انتهكت روسيا الأجواء البولندية والرومانية، حيث فضلت الإدارة الصمت، مما أجبر الدول الأوروبية على مواجهة التحديات الأمنية بمفردها لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. هذا الفراغ القيادي دفع القادة الأوروبيين إلى إدراك أن المظلة الأميركية لم تعد تقي من الخطر الروسي، بل ربما تكون هي نفسها مصدر الخطر إذا ما قرر ترامب سحب القوات فجأة.
التحولات في آسيا والشرق الأوسط
لا يقل قلق الحلفاء في آسيا عن نظرائهم في أوروبا. ففي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يلاحظ الكاتبان أن شبكة الشراكات لا تزال قائمة شكليًا، لكنها أصبحت هشة للغاية. وقد أبدت واشنطن استعدادًا لمقايضة أمن حلفاء مثل تايوان مقابل “صفقة كبرى” مع الصين. وفي الشرق الأوسط، يظهر ترامب دعمًا قويًا لإسرائيل، لكنه متردد في المخاطرة بالقوات الأميركية دفاعًا عن شركاء آخرين.
ويُعد تصريح وزير التجارة هوارد لوتنيك بأن الدفاع عن تايوان مرهون بنقل نصف قدراتها في صناعة أشباه الموصلات إلى الولايات المتحدة دليلًا قاطعًا على تحول السياسة الأميركية إلى نمط من الابتزاز الاقتصادي الفج. هذا التحول في السياسة الخارجية الأمريكية يثير تساؤلات حول مستقبل التحالفات، ويجبر الدول على إعادة تقييم استراتيجياتها الأمنية.
الخطة “ب” والبحث عن بدائل
أمام هذا الواقع، بدأت ملامح “الخطة ب” بالظهور. فالدول الحليفة تزيد إنفاقها الدفاعي، وتعزز التعاون الإقليمي بينها، وتسعى إلى تقليص اعتمادها على الصناعات العسكرية الأمريكية. وبعضها يفتح نقاشات حساسة حول امتلاك قدرات نووية مستقلة، رغم كلفة ذلك السياسية والتقنية والمخاطر المترتبة عليه. هذا التحول يشير إلى أن الدول الحليفة بدأت في الاستعداد لاحتمال تراجع الدور الأمريكي في المنطقة.
ويخلص المقال إلى أن انهيار نظام التحالفات الأميركي سيجعل العالم أكثر خطورة، مستحضرًا دروس الانعزالية الأميركية في مطلع القرن العشرين. وعلى الرغم من أن التعاون مع الولايات المتحدة سيستمر، فإن الاعتماد عليها لم يعد خيارًا مضمونًا، ما يجعل إعداد “الخطة ب” البديلة ضرورة لا غنى عنها. ومن المتوقع أن تشهد الأشهر والسنوات القادمة مزيدًا من الجهود من قبل الدول الحليفة لبناء قدراتها الذاتية وتعزيز التعاون الإقليمي، في ظل حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الدور الأمريكي في النظام الدولي.





