كلمة وفاء للكويت في وداع أميرها الراحل.. بقلم: البروفيسور أمين عاطف صليبا
بقلم: البروفيسور أمين عاطف صليبا
الكويت أميرا وحكومة وشعبا كان لبنان لهم ذا منزلة خاصة، فهو مصيفهم منذ ستينيات القرن الماضي، وقصورهم في جبل لبنان (ضهور بحمدون وجوارها) شاهدة على هذه العلاقة المتينة، والتي لم تشغر إلا بعد الحرب الأهلية السيئة الذكر، ومغادرتهم القسرية حفاظا على سلامتهم. كما أن «شاغور حمانا» كنت إذا قصدته صيفا خلت نفسك في أحد مطاعم الكويت. لقد قدر لي معرفة سمو الأمير الشيخ صباح السالم الصباح الذي كان يقضي عطلته الصيفية في قصره الأميري، وذلك بحكم تكليفي عام 1973 برئاسة المجموعة الأمنية من قوى الأمن الداخلي – يومها كنت برتبة ملازم – لحماية قصره في منطقة بحمدون، وقد لمست طيبة هذا الانسان وتواضعه رغم موقعه أميرا للكويت.
إن اهتمام أسرة آل الصباح بلبنان والأمراء الذين تناوبوا منها على سدة الإمارة، لم يتغير بل تجذر أكثر فأكثر وبقي لبنان الشغل الشاغل للمسؤولين الكويتيين خاصة في مرحلة حرب السنتين وما تلاها، وذلك بهدف إعادة السلام الى لبنان. التاريخ يثبت دور الكويت الفاعل في اللجنة التي مهدت لقمة الرباط والتوافق على قرار إرسال قوات ردع عربية الى لبنان غايتها وقف القتال وإعادة الأمن، لكن المؤامرة على لبنان كانت أكبر من كل المساعي الصادقة التي بذلتها الكويت وبدعم من المملكة العربية السعودية وغيرهما من الدول العربية. وكادت الكويت تدفع ضريبة دم مباشرة من خلال تعرض طائرة الهيليكوبتر العائدة للجيش اللبناني لإطلاق نار عليها وهبوطها الاضطراري في منطقة جونية بتاريخ 9/12/1978 وكانت تقل السفيرين السعودي علي الشاعر، والكويتي عبدالحميد البعيجان عند عودتهما من لقاء مطول مع الرئيس الراحل سليمان فرنجية، بحثا معه في مسألة إعادة التهدئة وضبط الأمن وإحقاق السلام في لبنان، وذلك بعد مجزرة إهدن التي حصلت في 13/6/1978 وسقط فيها الوزير السابق طوني فرنجية (نجل الرئيس) وعائلته ومعهم ثلاثة وثلاثون شهيدا من أبناء زغرتا، حيث أصيب السفير السعودي برصاصة في رجله اليمنى ونقل الى مستشفى سيدة لبنان في جونية للمعالجة ورافقه السفير البعيجان.
هذه الحادثة المقصودة لم تؤثر على متابعة الكويت دورها الأخوي لحل مشكلة لبنان، وتابعت مسيرتها الإنمائية من خلال صندوق التنمية الكويتي، الذي لايزال حتى اليوم لا يتردد في تقديم المساعدة المادية لإنشاء المشاريع الإنمائية في مختلف الأراضي اللبنانية دون تمييز بين المناطق. نعم الكويت – أميرا وحكومة وشعبا – لا تتردد في جمع الشمل العربي، وخير شاهد على ذلك الدور الذي قام به الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح الذي رحل عنا، والذي بنتيجته عادت قطر الى مقعدها في مجلس التعاون الخليجي ورفعت المقاطعة عنها، إن القيم التي تنشأ عليها آل الصباح مستمدة من التقاليد العربية الأصيلة التي طبقوها في الكويت وواظبوا على ممارستها في علاقاتهم الدولية والعربية، حيث نحن بأمس الحاجة الى مثل هذه العقلية التي تتجذر فيها القيم العربية كونها تعتبر مدخلا أساسيا لحل المشاكل البينية بين الإخوة.
أختم بالقول شكرا لكم أهلنا في الكويت (أميرا وحكومة وشعبا) على عدم تخليكم عن لبنان، رغم الصعوبات والعراقيل التي وضعت بوجه مبادراتكم ومن بينها حادثة الطائرة، طالبين منكم عدم التخلي عن مساعدة لبنان، معولين على أصالتكم وشهامتكم العربية.
ولروح سمو الأمير الراحل نواف الأحمد الجابر الصباح الرحمة، وأحر التعازي الى كل اهلنا في الكويت، ولصاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، طول العمر وليسدد الله خطاك في متابعة مسيرة الآباء والإخوة، لما فيه خير الكويت والشعب العربي ولبنان خاصة لأنه بحاجة الى استمرار رعايتكم له.