كيف تختلف زيارة زيلينسكي للبيت الأبيض عن سابقتها؟

واشنطن- في 28 فبراير/شباط الماضي، حل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ضيفا على البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب لأول مرة منذ انتخابه عام 2024. وقد خُصص اللقاء للتوقيع على صفقة المعادن النادرة التي طالب بها ترامب.
غير أن الحدث الذي نقل مباشرة على الهواء شهد مشاهد دراماتيكية، بعدما شن ترامب ونائبه جيه دي فانس هجوما قاسيا على زيلينسكي ومواقفه من مفاوضات إنهاء الحرب، قبل أن يختتم اللقاء على نحو غير مألوف بطلب صريح من ترامب بمغادرة الرئيس الأوكراني والوفد المرافق له البيت الأبيض فورا.
وبعد مرور أكثر من 5 أشهر على ذلك اللقاء العاصف، يعود زيلينسكي اليوم إلى البيت الأبيض في زيارة يعتبرها مراقبون أكثر خطورة وحساسية من زيارته الأولى، بل يصفها البعض بأنها قد تكون حاسمة لمستقبل أوكرانيا ووحدة أراضيها.
وتأتي الزيارة عقب قمة ألاسكا التي جمعت الرئيسين ترامب وفلاديمير بوتين، والتي انتهت دون إعلانات واضحة بشأن ما توصل إليه الطرفان، ويرجح أن يعرض ترامب خلال لقائه مع زيلينسكي رؤيته الخاصة لإنهاء الحرب والتوصل إلى تسوية نهائية للصراع.
ما بعد “الاجتماع الكارثي”
فبعد ساعات من انتهاء لقائهما الأول الذي وصف بالكابوسي، غرد ترامب على منصته “تروث سوشيال” مهاجما زيلينسكي قائلا “لم يظهر الاحترام الكافي للولايات المتحدة في مكتبها البيضاوي العزيز، يمكنه العودة عندما يكون مستعدا للسلام”.
وكانت الأسابيع التي سبقت ذلك الاجتماع قد شهدت انقلابا جذريا في سياسة واشنطن تجاه الحرب الأوكرانية، إذ أجرى ترامب في 12 فبراير/شباط مكالمة هاتفية غير مسبوقة مع الرئيس الروسي، ثم أطلق مسارا تفاوضيا مع موسكو من دون إشراك كييف أو الأوروبيين، قبل أن يصف زيلينسكي بـ”الدكتاتور” ويحمله مسؤولية بدء “الغزو الروسي” لبلاده، ويصوّت ضد قرار إدانة هذا الغزو في الأمم المتحدة.
كما أكد رفضه إرسال قوات أميركية ضمن أي قوة لحفظ السلام في أوكرانيا، وأعلن بوضوح معارضته لانضمام كييف مستقبلا إلى حلف الناتو.
ورغم أجواء التوتر تلك، شهدت الأسابيع اللاحقة تحسنا ملحوظا في العلاقات بين كييف وواشنطن، توج بتوقيع اتفاقية ثنائية لاستغلال المعادن النادرة في الأراضي الأوكرانية، وأعرب ترامب في أكثر من مناسبة عن استيائه من رفض روسيا عروض وقف إطلاق النار.
ولم تتضمن الصفقة أي إشارة إلى وجود عسكري أميركي في أوكرانيا، غير أن إدارة ترامب شددت على دعمها لجهود كييف في الحصول على “ضمانات أمنية ضرورية لإحلال سلام دائم”. وقال ترامب حينها “لن أقدم ضمانات أمنية مبالغا فيها. سنجعل أوروبا تقوم بذلك لأنها الجار المباشر، لكننا سنتأكد من أن الأمور تسير على ما يرام”.
وتملك أوكرانيا أكبر احتياطي من اليورانيوم في أوروبا، وثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، إضافة إلى ثروات ضخمة من الليثيوم والمعادن الأرضية النادرة، تقدر قيمتها بنحو تريليون دولار، يقع ثلثها تقريبا في مناطق يسيطر عليها الجيش الروسي شرق البلاد.
وبعد تردد طويل، وجد زيلينسكي نفسه مضطرا للموافقة على الصفقة والسعي للحصول على شروط أفضل، خاصة بعد تذكير ترامب المتكرر بأن واشنطن قدمت مساعدات عسكرية ومالية وإنسانية لكييف تجاوزت 120 مليار دولار منذ اندلاع الحرب قبل 3 سنوات. وقد وقعت الصفقة رسميا في مطلع مايو/أيار الماضي.
تحديات ما بعد قمة ألاسكا
وبعد قمة ألاسكا، بادر ترامب إلى الاتصال بزيلينسكي وعدد من قادة الناتو والدول الأوروبية، مؤكدا تفضيله التوصل إلى اتفاق سلام رسمي شامل بدلا من الاكتفاء بوقف إطلاق النار “الذي ينهار غالبا”، حسب تعبيره.
وأضاف أنه إذا نجحت محادثاته مع زيلينسكي الاثنين المقبل، فإن اجتماعا ثلاثيا يضم ترامب وبوتين وزيلينسكي سيكون الخطوة التالية، وفي المقابل، تحدثت تقارير أوروبية عن أن ترامب أبلغ بعض القادة أن بوتين يشترط ضم إقليم دونباس الأوكراني لإنهاء الحرب.
أما زيلينسكي فسيسعى خلال لقائه مع ترامب للحصول على توضيحات بشأن الضمانات الأمنية الأميركية المحتملة، إضافة إلى تفسير التحول المفاجئ في موقف ترامب من التركيز على وقف إطلاق النار إلى الدعوة لاتفاق سلام شامل قد يتطلب تنازلات إقليمية لصالح روسيا.

دعم أوروبي.. هل يغير المعادلة؟
ومن المقرر أن ينضم عدد من القادة الأوروبيين إلى زيلينسكي خلال لقائه ترامب في البيت الأبيض، في محاولة لإظهار وحدة الصف الأوروبي وتشكيل جبهة داعمة للرئيس الأوكراني في مواجهة مفاوضات توصف بأنها عالية المخاطر. كما يسعى الأوروبيون لتفادي تهميش دورهم في أي ترتيبات مستقبلية لإنهاء الحرب.
وعقب قمة ألاسكا، أصدر قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وفنلندا وبولندا، إلى جانب كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي، بيانا مشتركا أكد أن “على أوكرانيا أن تحصل على ضمانات أمنية صارمة تمكنها من الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها بفاعلية”.
وأضاف البيان أن “القوات المسلحة الأوكرانية يجب ألا تخضع لقيود، وأن تعاونها مع أي أطراف ثالثة حق سيادي لا يمكن لروسيا الاعتراض عليه، كما لا يمكن لموسكو أن تمتلك حق النقض (الفيتو) على مسار انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو”.
ويرى مراقبون أن زيلينسكي يسير اليوم في البيت الأبيض على “حبل مشدود”، إذ يتعين عليه الموازنة بين تجنب إثارة غضب ترامب من جهة، وإقناعه من جهة أخرى بأن مقترحاته الأخيرة لإنهاء الحرب قد تكون غير قابلة للتنفيذ، فرفض ما يطرحه ترامب ينطوي على مغامرة كبيرة قد تهدد استمرار الدعم الأميركي العسكري والمالي والاستخباراتي لكييف.