ما السر وراء سعي روسيا لتدمير سكك الحديد الأوكرانية؟

على مدى قرون، شكّلت سكك الحديد في أوكرانيا أكثر من مجرد شبكة نقل. وقد تحولت اليوم، في خضم الحرب مع روسيا، إلى هدف استراتيجي وساحة صراع لوجستي حيوية، حيث لا يقتصر دورها على نقل الركاب والبضائع، بل يمتد ليشمل الإمدادات العسكرية والجهود المبذولة للحفاظ على اتصال المدن على الرغم من القصف المستمر.
ومنذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022، تعرضت شبكة السكك الحديدية الأوكرانية لأكثر من 3700 هجوم، وفقًا لمستشار وزير الدفاع الأوكراني السابق، يوري ساك، الذي أكد أن روسيا تستهدف هذه البنية التحتية بشكل متعمد لإضعاف قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها وتعطيل الحياة المدنية. تعتبر هذه الشبكة “شريانًا لوجستيًا حيويًا” للجيش الأوكراني، مما يجعلها هدفًا ذا أولوية.
جذور سكك حديد أوكرانيا وتطورها التاريخي
تعود جذور السكك الحديدية في أوكرانيا إلى القرن التاسع عشر، عندما بدأت الإمبراطوريات الروسية والنمساوية المجرية في بناء خطوط للسكك الحديدية عبر الأراضي الأوكرانية. لم يكن الهدف من ذلك هو الربط بين المدن الأوكرانية فحسب، بل أيضًا تسهيل نقل الموارد الزراعية والمعادن إلى الموانئ والتجارة العالمية.
ومن خلال هذه السكك الحديد، تمكنت الإمبراطوريات من تصدير الحبوب والمعادن الثمينة من قلب أوكرانيا، مما عزز نفوذها الاقتصادي. لم تقتصر أهمية السكك الحديدية على الجانب الاقتصادي فقط، بل أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الأوكرانية والسوفيتية.
في الحقبة السوفيتية، اكتسبت السكك الحديدية مكانة رمزية كبيرة، حيث كانت تعتبر تجسيدًا للعمل الجماعي والتضحية. ظهرت في العديد من الأعمال الأدبية التي تمجد العمال والبنية التحتية كجزء من المشروع الاشتراكي، مما عزز من مكانتها في الوعي الوطني.
السكك الأوكرانية كهدف استراتيجي في الحرب الحالية
مع بداية الصراع، أصبحت السكك الحديدية الأوكرانية تلعب دورًا حاسمًا في نقل الجنود والإمدادات والأسلحة، بالإضافة إلى الحفاظ على الروابط بين المدن. ومع ذلك، هذا الدور المحوري جعلها هدفًا رئيسيًا للقوات الروسية.
ففي غارة واحدة، استهدفت طائرات روسية محطة للسكك الحديدية في منطقة تشيرنيغيف، وفقًا لوزير تنمية المجتمعات الأوكراني. تم إصلاح الأضرار باستخدام قاطرات احتياطية تعمل بالديزل مع الإشارة إلى التحديات المستمرة التي تواجهها الشبكة.
تشير التقديرات الرسمية إلى أن حوالي 10 آلاف كيلومتر من السكك الحديدية قد تضررت أو دمرت منذ بداية الحرب، مما يمثل تحديًا كبيرًا لعمليات النقل والإمداد في أوكرانيا.
الجهود المبذولة لإعادة التأهيل والأهمية الرمزية للمستقبل
على الرغم من الأضرار الهائلة، تبذل شركة أوكرزاليزنيتسا (سكك حديد أوكرانيا) جهودًا مضنية لإعادة تأهيل الخطوط المتضررة وإعادة تشغيل المحطات. حتى الآن، تم إعادة تشغيل أكثر من 3600 كيلومتر من الخطوط و41 محطة، مما يدل على التزام أوكرانيا بالحفاظ على هذه البنية التحتية الحيوية.
تمثل السكك الحديدية، بالنسبة للأوكرانيين، أكثر من مجرد وسيلة نقل؛ إنها رمز للصمود والمقاومة. بالإضافة إلى دورها اللوجستي، فإنها تمثل جزءًا من تراثهم الثقافي والقومي. وفي المقابل، ترى روسيا في استهداف السكك الحديدية وسيلة لتقويض قدرة أوكرانيا على القتال، وتعطيل حركة المدنيين، وإضعاف إرادة المقاومة.
تستمر أوكرانيا في العمل لضمان استمرار عمل شبكة السكك الحديدية، مع التركيز على الإصلاحات العاجلة وتأمين تمويل إضافي لعمليات إعادة الإعمار طويلة الأجل. من المتوقع أن تستمر الجهود لإصلاح البنية التحتية المتضررة في الأشهر والسنوات القادمة، حيث يعتمد مستقبل الاستقرار الاقتصادي وإمدادات الإغاثة الإنسانية على هذه الشبكة الحيوية. قد تشمل الخطوات اللاحقة البحث عن دعم دولي إضافي وتطوير تقنيات مبتكرة لتسريع عمليات الإصلاح.





