ما سر نهضة الكرة المغربية وطفرة الإنجازات العالمية؟

شهدت كرة القدم المغربية خلال السنوات الأخيرة تحولاً نوعياً جعلها واحدة من أبرز التجارب الرياضية الناجحة في أفريقيا والعالم العربي. هذا النجاح لم يقتصر على المنتخب الأول، بل امتد ليشمل مختلف الفئات العمرية والمنتخبات الوطنية، بالإضافة إلى كرة الصالات، مما يعكس استراتيجية شاملة ومدروسة تهدف إلى تطوير اللعبة في جميع جوانبها.
هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة مشروع استراتيجي طويل الأمد أعاد بناء المنظومة الكروية على أسس مؤسسية وتنموية قوية. فبعد سنوات من التراجع، استطاع المغرب أن يستعيد مكانته على الساحة القارية والدولية، وأن يحقق إنجازات تاريخية لم يسبقه إليها أحد.
طفرة الإنجازات العالمية للمغرب
تجسدت أبرز ثمار هذا المسار في تألق الكرة المغربية عالمياً، حيث نجح منتخب أقل من 20 سنة في الفوز بلقب كأس العالم بتشيلي على حساب الأرجنتين. يُعد هذا الإنجاز الأبرز في تاريخ الكرة المغربية والعربية، ويؤكد على قدرة اللاعبين المغاربة على المنافسة على أعلى المستويات.
بالإضافة إلى ذلك، وصل المنتخب الأول إلى نصف نهائي كأس العالم قطر 2022، وهو إنجاز تاريخي غير مسبوق على مستوى العرب والأفارقة. كما حقق منتخب السيدات تأهلاً تاريخياً إلى ثمن نهائي كأس العالم 2023، في حين بلغ منتخب أقل من 17 عاماً الدور ذاته في مونديالي إندونيسيا 2023 وقطر 2025.
لم تتوقف الإنجازات عند هذا الحد، حيث تأهل المنتخب الأولمبي إلى أولمبياد باريس 2024، وفاجأ الجميع بحصده للميدالية البرونزية في المنافسة. هذا التألق يعكس المستوى العالي الذي وصلت إليه الكرة المغربية في مختلف الفئات.
هيمنة قارية مغربية متصاعدة
على المستوى الأفريقي، فرضت كرة القدم المغربية حضورها بقوة، حيث توج منتخب المحليين بلقبي كأس أفريقيا للاعبين المحليين (الشان) عامي 2020 و2024. هذا الفوز يؤكد على قوة الدوري المغربي وقدرته على إنتاج لاعبين مميزين.
إلى جانب ذلك، أحرز منتخبا أقل من 23 وأقل من 17 عاماً كأس أمم أفريقيا عامي 2023 و2025 على التوالي. هذه الإنجازات تعكس الاستثمار الكبير في الفئات الشابة وتطويرها.
وتواكب هذا التألق بسطوة الأندية المغربية قارياً، حيث توج الوداد الرياضي بدوري أبطال أفريقيا 2022، والرجاء الرياضي بكأس الاتحاد الأفريقي 2021. كما واصلت سيدات الجيش الملكي، العمود الفقري للمنتخب النسوي، هيمنتهن القارية بإحراز دوري أبطال أفريقيا للسيدات عامي 2022 و2025.
بنية تحتية وتكوين قاعدي
ركز المشروع على تطوير البنية التحتية الرياضية، من خلال بناء ملاعب حديثة وتجديد أخرى، مما مكّن المغرب من استضافة بطولات قارية كبرى. كما ساهم في فوزه بشرف تنظيم كأس العالم 2030 بالشراكة مع إسبانيا والبرتغال.
لكن حجر الزاوية في هذا التحول كان أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، التي أُنشئت عام 2009 كنموذج يجمع بين التكوين الرياضي والتعليم الأكاديمي. الأكاديمية تحولت، مع مرور الوقت، إلى خزان إستراتيجي للمواهب، وأسهمت في بروز أسماء وازنة في المنتخبات الوطنية.
يؤكد طارق الخزري، رئيس قسم التوظيف في أكاديمية محمد السادس، أن نجاح المشروع لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة رؤية وإستراتيجية واضحة. ويضيف أن الأكاديمية تهدف إلى إنتاج لاعبين نخبويين بشكل منتظم، وتوفير لهم جميع الإمكانيات اللازمة للتطور والنجاح.
اعتمد المشروع المغربي أيضاً على استقطاب اللاعبين من أبناء الجالية المغربية في أوروبا، خاصة في دول ذات تقاليد كروية راسخة. هذا الأمر ساهم في تعزيز صفوف المنتخبات الوطنية بلاعبين ذوي مستويات عالية.
ما سر نهضة الكرة المغربية؟
يعود هذا النجاح إلى عدة عوامل، من بينها التخطيط الجيد، والاستثمار في البنية التحتية، وتطوير التكوين، والاهتمام باللاعبين المغاربة المحترفين في الخارج. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الرغبة القوية في تحقيق الإنجازات والارتقاء بـالرياضة المغربية إلى مستوى عالمي.
يقول الدولي المغربي السابق يوسف شيبو: “الطفرة التي شهدتها كرة القدم المغربية انطلقت فعلياً قبل نحو 10 سنوات، من خلال إعداد استراتيجية واضحة ومخطط متكامل للنهوض باللعبة”. ويضيف أن هناك عملاً جاداً يبذل من قبل جميع الأطراف المعنية، من أجل تحقيق الأهداف المنشودة.
وفي الختام، يمكن القول إن الكرة المغربية تعيش لحظة تاريخية، وأنها تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق المزيد من الإنجازات. مع استمرار الاستثمار في التكوين والبنية التحتية، وتوفير الدعم اللازم للمنتخبات والأندية، فإن مستقبل الكرة المغربية يبدو واعداً ومشرقاً.
الخطوة التالية هي الاستعداد الجيد لبطولة كأس أفريقيا 2025، والتي ستكون فرصة للمنتخب المغربي للتأكيد على مستواه العالي والتنافس على اللقب. بالإضافة إلى ذلك، يجب الاستمرار في تطوير الفئات الشابة وتوفير الدعم اللازم للأندية المغربية، من أجل الحفاظ على هذا التألق وتحقيق المزيد من الإنجازات في المستقبل.





