ما لم يُروَ من قصة إيران وحماس
صدر عن مركز الجزيرة للدراسات، منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2024، كتاب “إيران وحماس: من مرج الزهور إلى طوفان الأقصى.. ما لم يروَ من القصة” لمؤلفته الباحثة الأولى في المركز، خبيرة الشؤون الإيرانية، الدكتورة فاطمة الصمادي.
يُقدِّم الكتاب نظرة شاملة حول تطور العلاقة بين إيران وحماس منذ بداياتها، مسلطًا الضوء على محطاتها الأساسية وأزماتها، والعوامل الإقليمية والدولية التي أثرت فيها، وصولًا إلى تأثير المواقف الإقليمية المحيطة بالأحداث الراهنة.
تتبع الدكتورة فاطمة الصمادي في كتابها، مسار العلاقة بين حماس وإيران من منظور يتجاوز البعد الأيديولوجي، ليأخذ القارئ في رحلة تاريخية تعيد تأطير العلاقة ضمن منظومة أوسع من المصالح والتحديات المشتركة. تبدأ الباحثة هذا التأطير التاريخي باستعراض المراحل المختلفة التي مرت بها السياسة الإيرانية تجاه فلسطين، بدءًا من أواخر العهد القاجاري (1794-1925)، مرورًا بالمرحلة البهلوية الأولى (1925-1941) والثانية (1941-1979)، وصولًا إلى ما بعد الثورة الإسلامية (1979).
ويفرد الكتاب فصلًا لبحث “طوفان الأقصى” والقراءات الإيرانية لهذه العملية وما تبعها، ويناقش مواقف أطراف محور المقاومة والمحددات التي حكمت أداء كل طرف وتأثير دخول جماعة أنصار الله (الحوثية) على خط المواجهة، كما يُفصِّل في حدود المشاركة الإيرانية من خلال التركيز على مبادئ الاستراتيجية الدفاعية الإيرانية.
وتعتمد الكاتبة في سردها على مراجع مكتوبة وشهادات موثوقة ومقابلات أجرتها على مدى سنوات عديدة.
الكتاب يقدِّم نظرة معمقة على الخلفيات السياسية والدينية التي تشكلت منها العلاقة الإيرانية مع حماس، مستعرضًا موقف كل من آية الله كاشاني وآية الله الخميني من القضية الفلسطينية قبل الثورة الإسلامية. بالنسبة لكاشاني، الذي عرف بنقده لنظام الشاه فقد كان يرى أن المشروع الصهيوني يشكل تهديدًا ليس فقط للعالم العربي والإسلامي، بل للبشرية بأسرها. أما الخميني، فقد كانت معارضته الصريحة للشاه قائمة على أساس رفض علاقة إيران بإسرائيل، وجعل من معاداة “النظام الصهيوني” رمزًا من رموز الثورة، وهو ما أدى إلى تحويل القضية الفلسطينية إلى محور من محاور السياسة الخارجية الإيرانية.
وتوضح الباحثة أن العلاقة بين حماس وإيران لم تكن مجرد تحالف أيديولوجي؛ بل كانت -بالإضافة إلى ذلك- تحقق لكلا الطرفين مصالح مشتركة. يصف الكتاب زيارات متعددة قام بها قياديو حماس إلى إيران، مثل زيارة الشيخ أحمد ياسين في عام 1998، حيث عبَّر خلالها عن شكره للشعب الإيراني ودعمه للقضية الفلسطينية. وتبرز الكاتبة كيف كانت إيران ترى في هذه العلاقة وسيلة لتأكيد نفوذها الإقليمي من خلال دعم القضية الفلسطينية، وتحديدًا دعم حركات المقاومة.
وتتناول فاطمة الصمادي في الكتاب مرحلة ما بعد اندلاع الثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإيرانية، حيث لعبت إيران دورًا كبيرًا في تعزيز موقعها الإقليمي، مستفيدة من دعمها للقضية الفلسطينية كإحدى ركائز سياساتها الخارجية. وفي هذا السياق، تعرض الكاتبة لأزمات واجهت العلاقة بين حماس وإيران، أبرزها تلك التي حدثت عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث انقسمت المواقف وتباينت الرؤى؛ فقد اختارت قيادة حماس الابتعاد عن دعم النظام السوري، وهو ما اعتبرته طهران “موقفًا خارج محور المقاومة”. وتتابع الباحثة سرد التفاصيل من خلال تفاعل الطرفين مع تلك الأزمة ومحاولات قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، إحياء العلاقة، حيث ساهم بشكل فعَّال في احتواء الخلاف وإعادة وصل ما انقطع من تعاون استراتيجي.
الأزمة بشأن سوريا
وفي سرد تفاصيل الأزمة بشأن سوريا، تستعرض الباحثة دور كتائب عز الدين القسام بقيادة محمد الضيف، في المحافظة على تواصل القسام مع فيلق القدس رغم التوتر السياسي بين القيادات، ما أعطى العلاقات مع طهران بُعدًا مميزًا وأعاق انهيارها بالكامل. وتبين الكاتبة كيف أن التوافق المشترك بين الطرفين حول ضرورة مقاومة “الاحتلال الصهيوني” كان أقوى من الخلافات حول القضايا الإقليمية الأخرى.
يبرز الكتاب أيضًا موقف بعض الدول العربية من علاقة حماس مع إيران، مشيرًا إلى تحفظ هذه الدول أو حتى رفضها لها، حيث ينظر البعض إلى حماس كـ”منفِّذ للسياسات الإيرانية في المنطقة”. وتضيف الصمادي أن هذا الانطباع العربي أوجد نوعًا من العزلة السياسية لحماس في العالم العربي، ما دفعها للتوجه إلى إيران ودعمها لتعزيز موقفها إقليميًا، خاصة في ظل غياب الدعم العربي الكافي للقضية الفلسطينية.
وبينما كان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد من أبرز الداعمين لحماس بالمال والسلاح، تراجعت هذه العلاقة في عهد الرئيس حسن روحاني، الذي شهد انقطاع الدعم المالي الإيراني لحماس من مؤسسة الرئاسة. وتعلّق الكاتبة على ذلك بالإشارة إلى أن روحاني تجنَّب مقابلة قادة حماس طوال سنوات حكمه الثماني، ما عكس توجهًا حذرًا من جانب الإدارة الإيرانية تجاه دعم الحركة في تلك الفترة.
يستخدم الكتاب أسلوبًا تحليليًا مركّبًا يمزج بين التاريخي والسياسي، ويستعرض النظريات التي يمكن من خلالها تفسير علاقة الطرفين. فيسعى إلى تبني نموذج “التكلفة والعائد” لتفسير العلاقة بين حماس وإيران وفق مفهوم “الاختيار العقلاني”، الذي يقوم على بناء العلاقات من خلال تعظيم كل طرف لمصالحه. وتتخذ الباحثة هذا التحليل مدخلًا لتفسير “التوازن الدقيق” الذي سعت حماس للحفاظ عليه في علاقتها مع إيران، مع إيضاح محاولتها لتجنب تبعية القرار السياسي، إذ ترى حماس في هذه العلاقة جزءًا من استراتيجية التحرير الوطني الهادفة إلى مقاومة الاحتلال.
في هذا السياق، تُفرد الباحثة فصلًا كاملاً للحديث عن “الأطر الفكرية والمعيارية” وأهميتها في تشكيل معاني الخطاب السياسي لكلا الطرفين، مؤكدة على أن حماس لا تنساق بشكل كامل خلف الخطاب الإيراني، وأنها تظل محافظة على مواقفها الأساسية دون أن تفقد استقلالية قرارها، وهو الأمر الذي حاولت توضيحه استنادًا إلى المقابلات والمشاهد التاريخية التي جمعتها عبر سنوات البحث الميداني.
ويستعرض الكتاب في ختامه مرحلة جديدة شهدتها العلاقة بعد عام 2020، حيث عادت حماس إلى تقوية علاقاتها مع إيران عقب اغتيال قاسم سليماني، وما تبعه من تداعيات على محور المقاومة، وصولًا إلى الأزمات السياسية الراهنة. وتعتبر الباحثة هذه المرحلة دليلًا على أن التعاون بين الطرفين لن يكون مجرد علاقة وقتية أو استراتيجية سطحية، بل يمثل مسارًا طويل الأمد تعزز بفعل ضغوط القوى الإقليمية المتعددة.
لقد بذلت المؤلفة جهدًا في توثيق وجهات النظر المتنوعة، سواء من داخل إيران أو حماس، مستعينةً بمقابلات ميدانية مكثفة واستشهادات موثقة من كلا الطرفين، ما يجعل الكتاب مصدرًا مرجعيًا في تاريخ وطبيعة العلاقة بين حماس وإيران. ويعد الكتاب إضافة نوعية للمكتبة العربية التي تفتقر لمصادر تجمع بين التحليل التاريخي والشهادات الميدانية لمثل هذه العلاقة المعقدة.
لقراءة الكتاب وتحميله (اضغط هنا).