مفاوضات نادرة بين إسرائيل ولبنان لكنها قد لا توقف الحرب

في خطوة تاريخية، شهدت مدينة الناقورة مفاوضات مباشرة بين مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين، وهي الأولى من نوعها منذ عقود. وتأتي هذه المفاوضات، التي جرت بمشاركة المبعوثة الأمريكية مورغان أورتيغوس والسفير اللبناني السابق سيمون كرم، ونائب رئيس قسم السياسات الخارجية الإسرائيلي، بهدف تطوير آليات عمل اللجنة المشتركة المعنية بمراقبة اتفاق وقف إطلاق النار، وربما تأجيل أي عملية عسكرية إسرائيلية محتملة، على الرغم من أن إسرائيل تشترط نزع سلاح حزب الله لتحقيق ذلك.
عقدت هذه الجولة من المحادثات في ظل تصاعد التوترات الحدودية، وتهديدات إسرائيلية متكررة بشن عملية عسكرية في لبنان. وتهدف الولايات المتحدة، من خلال هذه المفاوضات، إلى توسيع نطاق التعاون بين الجانبين، بما يتجاوز مجرد مراقبة وقف إطلاق النار، وذلك في إطار جهودها لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية: نحو مستوى جديد من التعاون؟
أكد رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، في مقابلة خاصة، استعداد بلاده للدخول في مفاوضات “فوق عسكرية” مع إسرائيل، مشيراً إلى أن إدخال مدنيين في الوفد اللبناني يحظى بدعم سياسي قوي. ويرى محللون أن هذا التحول في طبيعة الوفد يعكس رغبة لبنانية في إيجاد مسار تفاوضي جديد لا يتعارض مع مبدأ عدم التطبيع السياسي المباشر مع إسرائيل.
ومع ذلك، شدد سلام على أن هذه المفاوضات لا تهدف إلى التطبيع مع إسرائيل، بل إلى استعادة الحقوق الحدودية للبنان وتثبيت وقف العمليات العدائية، مؤكداً أن السلام الحقيقي مرهون بتطبيق المبادرة العربية للسلام القائمة على حل الدولتين. ويعكس هذا الموقف الحذر التزام لبنان بمواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية.
خطوات نحو تخفيف التوتر
يصف الكاتب السياسي نقولا نصيف تعبير “مفاوضات فوق عسكرية” بأنه محاولة لإيجاد مستوى جديد من التفاوض مع إسرائيل، لا يتعارض مع المبدأ اللبناني بعدم التفاوض السياسي المباشر. ومع ذلك، يرى نصيف أن هذا المسار قد يواجه رفضاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري وحزب الله.
اختيار سيمون كرم، وهو سياسي مخضرم، لقيادة الوفد اللبناني يعكس، بحسب نصيف، موقف الرئيس جوزيف عون الذي دعا إلى التفاوض مع إسرائيل من أجل تخفيف التوتر المتزايد. ويشير هذا إلى وجود دعم رئاسي للمفاوضات، على الرغم من التحديات السياسية الداخلية.
أهداف متضاربة وتحديات مستقبلية
تكمن صعوبة هذه المفاوضات في تعارض الأهداف بين الجانبين. إسرائيل تسعى إلى نزع سلاح حزب الله جنوب وشمال نهر الليطاني، بينما يركز لبنان على تطبيق بنود الاتفاق الحالي، بما في ذلك انسحاب القوات الإسرائيلية واستعادة الأسرى اللبنانيين. هذا التباين في الأولويات يمثل تحدياً كبيراً أمام تحقيق أي تقدم ملموس.
يرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور مهند مصطفى أن إسرائيل لا تسعى إلى التفاوض الحقيقي، بل تحاول التنصل من مسؤولية أي اعتداء عسكري على لبنان من خلال الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ويضيف أن إسرائيل تهدف إلى تحقيق نزع سلاح حزب الله، سواء سلمياً أو بالقوة.
وفيما يتعلق بموقف حزب الله، يرى نصيف أنه لن يعارض المفاوضات علناً، ولكنه قد يعرقلها بشكل غير مباشر. ويعتقد أن الحزب لن يلجأ إلى التصعيد العسكري، على الأقل في الوقت الحالي، لأنه لم يفعل ذلك منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار.
الوضع الأمني في المنطقة يظل هشاً، وتعتمد فرص نجاح هذه المفاوضات على قدرة الأطراف المعنية على تجاوز خلافاتها وتحقيق تفاهمات متبادلة. كما أن الدور الأمريكي والفرنسي سيكون حاسماً في دعم هذه الجهود.
مستقبل المفاوضات
من المتوقع أن تعقد جولة ثانية من المفاوضات في الأسابيع القادمة، بهدف مناقشة القضايا العالقة والتوصل إلى اتفاق بشأن آليات مراقبة وقف إطلاق النار. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه المفاوضات ستؤدي إلى تحقيق تقدم حقيقي نحو حل الأزمة الحدودية بين لبنان وإسرائيل. وسيبقى الوضع الأمني في المنطقة تحت المراقبة الدقيقة، مع التركيز على أي تطورات قد تؤثر على مسار المفاوضات.





