هل تلجأ الصين لخفض عملتها في مواجهة رسوم ترامب؟
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية أن صانعي القرار في بكين ينقسمون حول ما إذا كان من الضروري السماح للعملة الصينية (اليوان) بالتراجع استجابة للتعريفات الجمركية الجديدة من قبل إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وهو الإجراء الذي لا تريده القيادة لكنها قد تضطر إليه مع اقتراب معركة تجارية جديدة مع واشنطن.
وفي مكالمة هاتفية جرت قبل أيام مع ترامب، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى رغبته في الدخول في مفاوضات مع الإدارة الأميركية المقبلة، قائلًا إن الجانبين يجب أن “يجدا حلولًا مناسبة للمشاكل”.
ويدير بنك الشعب الصيني يوميًا تحركات اليوان أو الرينمينبي في نطاق تداول ضيق، لكن القرارات العامة بشأن اتجاهه سياسية وتأتي من أعلى (سلطات) البنك، وفق الصحيفة.
وفي الحرب التجارية السابقة مع الولايات المتحدة، والتي بدأت أوائل عام 2018 خلال فترة ولاية ترامب الأولى، خفضت الصين قيمة اليوان بنحو 13% للرد على تعريفات ترامب، مما جعل قيمة صادراتها أرخص، في بعض الأحيان، وهو ما أغضب ترامب الذي وصفت إدارته عام 2019 الصين بأنها متلاعبة بالعملة، لكنها ساعدت في دعم الاقتصاد الصيني.
اليوان ليس محصنا
لكن الصحيفة أشارت إلى أن هذه المرة، الأمر أكثر تعقيدًا، فاليوان ليس محصنًا ضد ضغوط السوق وكان البنك المركزي مضطرًا بالفعل للسماح له بالتراجع نتيجة تراجع النمو الاقتصادي وتوقع المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين، الأمر الذي حدّ من استخدام اليوان كأداة لمحاربة التعريفات الجمركية.
وذكرت الصحيفة أن النقاش الداخلي في بكين تركز على مدى التراجع في اليوان الذي سيُسمح به.
ويعتقد معسكر، يضم في المقام الأول المسؤولين ذوي العلاقة بالسوق وخبراء الاقتصاد الحكوميين، أن بنك الشعب الصيني يجب أن يتجنب أكثر التدخل، مما يعني السماح للأسواق بترك اليوان للانخفاض، ويقولون إن هذا من شأنه أن يحرر “المركزي” نفسه من الدفاع عن اليوان، والتركيز على تحفيز النمو من خلال السياسات النقدية مثل خفض أسعار الفائدة.
ونقلت الصحيفة عن مستشار حكومي شارك في المناقشات، قوله “سياسة سعر الصرف الأكثر مرونة سوف تؤدي إلى سياسة أسعار فائدة أكثر مرونة”.
ويرى المعسكر الآخر، الذي يضم مكلفين بالحفاظ على الاستقرار المالي، أن هذا النهج محفوف بالمخاطر إلى حد كبير، وهم يخشون أن يؤدي خفض قيمة العملة، مهما كانت نية السلطات تدريجية ومنظمة، إلى دفع رأس المال إلى خارج الصين عندما يسعى نظامها المصرفي بالفعل إلى دعم السيولة الأكبر.
وفي نظرهم، يجب الدفاع عن اليوان ضد الأسواق التي يقولون إنها ستستمر في ضربه متوقعة انخفاض قيمته.
ماذا لو نفذ ترامب تهديداته تجاه الصين؟
وقال المسؤول السابق بوزارة الخزانة الأميركية، والزميل البارز في مجلس العلاقات الخارجية حاليا، براد سيتسر “الإشارة الآن هي الاستقرار” لكن إذا نفذ الرئيس المنتخب ترامب تهديداته بالتعريفات، وقال أيضا “سيكون من الصعب على الصين تجنب خفض القيمة بشكل مدار حتى رغم رغبتهم”.
وحاليا، يمنع المرسوم السياسي من قيادة الرئيس الصيني العملة من التراجع بصورة مفرطة.
في بيان لصحيفة وول ستريت جورنال، ذكر بنك الشعب الصيني أن الأمر بالحفاظ على استقرار اليوان يعقد القرارات الأخرى التي يتخذها “المركزي”. فإذا خفض أسعار الفائدة، على سبيل المثال، فهذا يعني المزيد من الأموال التي تتدفق في النظام (زيادة المعروض النقدي في السوق) مما يدفع اليوان حتما إلى الانخفاض.
لكن شي أوضح أن اليوان يحتاج في بعض الأحيان إلى أن يكون له الأولوية، وكانت أولويته واضحة في زيارته للبنك المركزي في أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما تخطى ما يزعم الكثيرون أنه أهم مكون في بنك الشعب الصيني، وهو قسم السياسة النقدية المسؤول عن أسعار الفائدة، وركز بدلاً من ذلك على الوكالة التي تشرف على احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد البالغ نحو 3 تريليونات دولار يمكن ضخه للدفاع عن اليوان.
وجاءت زيارته في وقت كان فيه اليوان يتداول عند أدنى مستوياته في حوالي 16 عامًا مقابل الدولار، وهو انعكاس للتعافي الاقتصادي المتعثر للصين بعد الوباء وكذلك القوة الاقتصادية الأميركية.
وكثفت البنوك الحكومية الصينية، بعد زيارة شي، جهودها لدعم اليوان من خلال بيع حيازاتها بالدولار.
وفي العام الماضي، دعا الرئيس الصيني إلى عملة قوية كوسيلة لبناء الصين كقوة عظمى مالية. وفي ديسمبر/كانون الأول، كرر اجتماع رفيع المستوى، يرسم أجندة القيادة الاقتصادية لعام 2025، الشعار الرسمي المتمثل في الحفاظ على سعر الصرف مستقرا نسبيا مع التعهد أيضا بتقديم دعم سياسي أكبر للاقتصاد.
تداولات اليوان
ومنذ أسابيع، يحاول البنك المركزي الحفاظ على استقرار اليوان عند المستوى الحالي البالغ نحو 7.33 يوانات للدولار، وهو انخفاض بنحو 11% مقابل الدولار منذ أوائل عام 2018.
ولهذه الغاية، أبقى بنك الشعب الصيني إلى حد كبير على دليله اليومي لليوان، المعروف، في نطاق ضيق حول 7.2 يوانات للدولار، على الرغم من ارتفاع الدولار، كما جعلت السلطات من الصعب على المتداولين الرهان ضد اليوان، وفي بعض الحالات استدعت لاستجواب أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم “يبيعون العملة على المكشوف بشكل خبيث”.
ويقول بعض المحللين إن اليوان، من دون تدخل حكومي، سيتداول عند حوالي 8 يوانات مقابل الدولار هذه الأيام، معترفين بصعوبة تقدير قيمته السوقية حيث لم يكن اليوان مدفوعًا بقوى السوق أبدًا، ويتوقع غولدمان ساكس أن ينخفض اليوان إلى 7.5 مقابل الدولار بحلول منتصف هذا العام، وهو الأضعف منذ ما يقرب من عقدين من الزمان.