هل وصل “التمييز الطبقي” إلى الإنترنت في إيران؟

طهران – في تطور يلقي الضوء على مشكلة الإنترنت الطبقي في إيران، كشفت أداة جديدة للشفافية أطلقتها منصة “إكس” عن وجود فجوة كبيرة بين القيود التي يفرضها صناع القرار على الوصول إلى الإنترنت، وبين ممارساتهم الشخصية. هذه الفجوة أثارت جدلاً سياسياً واسعاً وفضحت التناقضات في السياسات الرسمية المتعلقة بالرقابة على الإنترنت.
في حين يعاني غالبية الإيرانيين من صعوبة الوصول إلى العديد من المواقع والتطبيقات، ويلجأون إلى استخدام برامج تجاوز الحظر بتكلفة باهظة، أظهرت الميزة الجديدة أن عدداً كبيراً من المسؤولين والشخصيات السياسية والإعلامية يستخدمون ما يُعرف بـ “الإنترنت الأبيض” – وهو اتصال غير مقيد – للوصول إلى منصة “إكس” المحجوبة في إيران منذ عام 2009. وقد انتشرت هذه المعلومات بسرعة عبر الإنترنت تحت وسم “لوکیشن غیت” (Location Gate).
التمييز الرقمي وتداعياته
أظهرت الميزة التقنية الجديدة لمنصة “إكس” – التي تحدد الموقع الجغرافي التقريبي ونوع الاتصال – انقسامات حتى داخل النخبة الحاكمة الإيرانية. وتشير هذه الانقسامات إلى أن الوصول إلى الإنترنت الحر ليس مسألة سياسة عامة، بل امتيازاً متاحاً لفئة معينة فقط. هذا الوضع أثار غضب واستياءً واسعاً بين المواطنين الإيرانيين الذين يواجهون قيوداً صارمة على حرية التعبير والمعلومات.
لم يكن مصطلح “الإنترنت الأبيض” جديداً على الإيرانيين، فقد طُرحت فكرة توفير هذا النوع من الاتصال للسياح والزائرين الأجانب، وكذلك للعاملين في المجالات التي تتطلب اتصالاً غير مقيد، في وقت سابق. ومع ذلك، واجهت هذه الفكرة معارضة شديدة من بعض الأطراف.
وعود انتخابية ومطالبات شعبية
خلال حملته الانتخابية، كان رفع القيود عن الإنترنت أحد أبرز الوعود التي أطلقها الرئيس مسعود بزشكيان. وتأتي هذه القضية في صدارة المطالب الشعبية، حيث يرى الكثير من الإيرانيين أن حرية الوصول إلى المعلومات حق أساسي.
صحيفة “إيران” الحكومية أشارت إلى أن ظاهرة “الإنترنت الأبيض” ليست جديدة، وأنها كانت ممارسة متجذرة في الحكومات السابقة، حيث تم توزيعها بشكل انتقائي على أفراد وهيئات مختلفة. هذا التصريح زاد من حدة الجدل وأثار تساؤلات حول مدى جدية الوعود التي أطلقها الرئيس بزشكيان.
ردود فعل رسمية ومحاولات تبرير
في محاولة للتعامل مع الضجة الشعبية والإعلامية المتصاعدة، أعلن رئيس الشؤون الإعلامية في الحكومة، علي أحمد نيا، أن الحكومة ستخضع هذه الممارسة لـ “مراجعة جادة”. لكن هذا الإعلان لم يمنع تعرضه لانتقادات واسعة من قبل مغردين اتهموه باستخدام “الإنترنت الأبيض” بنفسه.
مساعد الاتصالات والإعلام بمكتب الرئاسة الإيرانية، مهدي طباطبائي، حاول أيضاً تهدئة الوضع، مؤكداً أن تفريق المجتمع بين من يتمتع بالإنترنت الأبيض ومن لا يتمتع به يصب في مصلحة العدو. وأضاف أن الرئيس بزشكيان يؤمن بأن جميع الإيرانيين يجب أن يتمتعوا بحرية الوصول إلى الإنترنت.
انتقادات متزايدة ومخاوف بشأن الشفافية
يرى مراقبون أن الجدل حول الإنترنت الطبقي كشف عن مشكلة أعمق تتعلق بالشفافية والمساءلة. ويقولون إن السماح لفئة معينة بالوصول إلى الإنترنت الحر مع حرمان الآخرين يمثل تمييزاً واضحاً وانتهاكاً لحقوق الإنسان. وتشير التقارير إلى أن قائمة المستفيدين من “الإنترنت الأبيض” تشمل شخصيات متناقضة، بما في ذلك معارضين للنظام ومؤيدين له، ما يثير تساؤلات حول معايير الحصول على هذا الامتياز.
وتساءلت صحيفة “خবর أون لاين” عما إذا كانت هذه الممارسات تتوافق مع الوعود التي قطعها الرئيس بزشكيان بخصوص حرية الإنترنت. وأشارت الصحيفة إلى أن القضية الرئيسية ليست فيمن يحصل على هذا الامتياز، بل في وجود سياسة تقييد الإنترنت نفسها.
ماذا بعد؟
من المتوقع أن يستمر الجدل حول الإنترنت الطبقي في إيران خلال الأيام والأسابيع القادمة. ويترقب المراقبون ما إذا كان المجلس الوزاري سيتخذ إجراءات ملموسة لإصلاح نظام الاتصالات وضمان وصول عادل إلى الإنترنت لجميع المواطنين. ومع ذلك، لا تزال هناك حالة من عدم اليقين، حيث قد تعيق الظروف الأمنية الحساسة في المنطقة جهود الإصلاح. ويجب مراقبة التطورات السياسية والقانونية المتعلقة بهذه القضية عن كثب.





