هو آخر صراعات المنطقة ولكنه أخطرها
أيام قليلة وتدخل الحرب الإسرائيلية الدموية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وبصورة أقل حدة حتى الآن في الضفة الغربية، عامها الثاني. ويفتح هذا المدى الزمني الأكثر طولاً في تاريخ الصراع الإسرائيلي – العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً، الباب أمام عديد من التساؤلات والتوقعات حول مستقبل هذه الحرب، وبالأخص في ظل حالات أخرى من الصراعات المسلحة التي تدور في المنطقة العربية والشرق الأوسط منذ وقت طويل.
فلدينا حالياً في المنطقة ثلاثة صراعات وصلت وتجاوزت العقد من الزمان. هناك الصراع في ليبيا والذي بدأ منذ فبراير 2011، وتتابعت وتنوعت حلقاته وصولاً إلى الأوضاع الحالية بالغة الهشاشة والمتفجرة من وقت لآخر، دون التوصل لحل نهائي ودائم له.
وهناك ثانياً الصراع شديد التعقيد ومتداخل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الدائر في سوريا منذ مارس 2011، والذي لا يبدو حتى اللحظة أنه مرشح للانخفاض، بل العكس تماماً يبرز احتمال دخوله في تعقيد جديد نظراً للحرب الدائرة في قطاع غزة وعلى الحدود الإسرائيلية – اللبنانية.
ثم لدينا ثالثاً الصراع في اليمن، والذي بدوره تتابعت حلقاته بين صعود وهبوط ومبادرات للحل وانتكاسات تؤدي لتصعيده، منذ اندلاعه في سبتمبر 2014 عندما استولت قوات الحوثيين على مقر الحكومة الشرعية في صنعاء.
ويأتي الصراع الأقل عمراً الدائر في السودان منذ 15 أبريل 2023، داخلاً عامه الثاني بمزيد من التعقيد والضحايا واحتدام الخلاف وابتعاد الشقة بين أطرافه الداخلية المباشرة والخارجية غير المباشرة. ويحيط بكل هذه الصراعات المسلحة في منطقتنا، بعيداً جغرافياً وشديد القرب موضوعياً، الحرب الروسية – الأوكرانية التي جاوزت عامها الثاني بنصف عام بعد بدئها في 24 فبراير 2022.
النظر إلى الحرب الإسرائيلية الدموية على الشعب الفلسطيني ومقارنتها والبحث عن تداخلاتها مع الصراعات المسلحة المشار إليها، يؤدي إلى استنتاجات وخلاصات تبدو مهمة وذات خطورة.
فالمشترك بين الصراعات الثلاثة العشرية والصراع السوداني حديث العمر، أنها أولاً كلها بدأت في الإطار الداخلي لكل دولة منها، وبين أطراف محلية واضحة المعالم بداخله، وهو ما ظلت هذه الصراعات محتفظة به منذ اندلاعها وحتى اللحظة. وبالرغم من صحة هذا، فالصحيح أيضاً هو أن أطرافاً عدة، إقليمية ودولية، قد تداخلت واشتبكت – ولا تزال – بصور مباشرة أو غير مباشرة في مسار كل هذه الصراعات.
وأما المشترك الثالث بين هذه الصراعات، فهو أنه على الرغم من القرب الجغرافي بينها ووجود الأطراف الإقليمية والدولية نفسها متداخلة فيها، فإن التداخل المباشر وحتى غير المباشر بينها ظل محدوداً للغاية طوال سنوات اشتعالها الطويلة – والقصيرة أيضاً – حيث لم يتوقف تطور أي منها تصعيداً أو تهدئة على صراع آخر في المنطقة، بل ظل لكل منها آليات تطورها المرتبطة بعواملها الداخلية، وبالقوى الإقليمية والدولية المتداخلة فيها دون تنسيق أو تناسق مع ما يجري في الصراعات الأخرى.
على هذه الحقائق وتلك المشتركات بين الصراعات الدائرة في المنطقة قبل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني منذ 7 أكتوبر العام الماضي، يبدو واضحاً الفارق النوعي بينه وبينها. فهذا الصراع، وفي أيام قليلة أقحم صراعين منها في مساره، وهما الصراع السوري والصراع اليمني بالإضافة للتوتر اللبناني – الإسرائيلي.
كذلك، فقد وسع العدوان على غزة من دوائر الصراع المسلح المحتمل في المنطقة لتضاف إليه بصورة جدية إيران، وليأخذ التوتر بين «حزب الله» في لبنان وإسرائيل مساراً هو الأكثر خطورة من كل الصدامات العسكرية السابقة بين الجانبين.
أيضاً، فإن الأطراف الإقليمية والدولية الرئيسية سعت للتداخل المباشر وغير المباشر في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، بما أثار مخاوف حقيقية ومشروعة من اتساعه ليشمل الإقليم، وزادت المخاوف لدى البعض إلى حد الخشية من أن ينتقل للمستوى العالمي.
هذه الفوارق النوعية الحاسمة بين الصراعات العشرية والأقل عمراً الدائرة في المنطقة وبين الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، تجعل من بلوغه العام الأول إشارة خطر داهم قد يلحق بالمنطقة كلها، وربما بالعالم بحسب البعض، فهو صراع متعدد الأطراف والمستويات والمراحل ومعقد بما يكفي للتخوف من هذا الاتساع، ويكفي أيضاً إلى ضرورة سعي كل من ينشد السلم والأمن لمنطقتنا وللعالم لمضاعفة الجهود من أجل وقفه، وهو ما لن يكون له من سبيل حقيقي سوى عبر مقررات الشرعية الدولية والقانون الدولي.