“واي ورد”.. دراما نفسية تكشف حدود تحكم السلطة في الأفراد

عرضت منصة “نتفليكس” مؤخرًا مسلسلها المحدود الحلقات “واي ورد” (Wayward)، والذي ترجمته المنصة إلى “مراهقون خارج السرب”، وحقق نجاحًا ملحوظًا بأكثر من 8.2 مليون مشاهدة في أسبوع عرضه الأول. هذا المسلسل، الذي ينتمي إلى فئة الغموض والإثارة النفسية، يلقي الضوء على قضايا المراهقين المضطربين داخل بلدة هادئة تخفي أسرارًا عميقة، ويستكشف مفهوم المراهقة والصدمات النفسية بطريقة مشوقة.
تدور أحداث المسلسل في حقبة التسعينيات، ويركز على قصة ضابط شرطة جديد ينتقل إلى بلدة “تول باينز” مع زوجته الحامل. سرعان ما تبدأ الشكوك في الظهور حول مدرسة “تول باينز أكاديمي” التي تدّعي علاج المراهقين المتمردين، بينما تحاول فتاتان، هما ليلي وآبي، الهروب والكشف عن حقيقة ما يجري داخل المدرسة. هذا النجاح يعكس اهتمام الجمهور المتزايد بقصص الغموض والإثارة التي تتناول قضايا نفسية واجتماعية معقدة.
حبكة “واي ورد” والمبالغة في الغموض
يعتمد المسلسل على حبكة مألوفة – جريمة غامضة في بلدة صغيرة – لكنه يركز بشكل خاص على المراهقين الذين يُعتبرون موضوعًا مركزيًا للأحداث. الغموض يكمن في الأسرار التي تخفيها المدرسة، والعلاقات المعقدة بين شخصياتها، والماضي المظلم للبلدة بأكملها. القصة تتكشف تدريجيًا من خلال سلسلة من التحولات والتوترات، مما يبقي المشاهدين على أهبة الاستعداد لمعرفة الحقيقة.
ومع ذلك، يثير المسلسل انتقادات بسبب اعتماده المفرط على الغموض، وعدم تقديم إجابات واضحة لبعض الأسئلة المطروحة. يرى بعض المشاهدين أن هذه النهاية المفتوحة قد تكون محبطة، وأنها تترك الكثير من الفجوات في البناء السردي. في المقابل، قد يرى آخرون أن هذا الغموض المقصود يفتح الباب أمام تكملة محتملة للمسلسل.
المدرسة الداخلية كـ “طائفة” لتطوير الذات
إحدى نقاط القوة في المسلسل هي قدرته على طرح أسئلة عميقة حول المؤسسات التي تدّعي علاج المراهقين المضطربين. تُظهر “واي ورد” كيف يمكن لهذه المؤسسات – في بعض الأحيان – أن تتحول إلى أشكال من السيطرة النفسية أو غسل الدماغ، بدلًا من توفير بيئة داعمة وصحية للمراهقين. هذا النقد يمتد ليشمل فكرة “تطوير الذات” التي يمكن أن تتحول إلى أيديولوجية متطرفة.
وفقًا لما صرحت به ماي مارتن، صانعة المسلسل، استندت القصة إلى تجارب حقيقية مر بها صديق قديم، ولكنها وسعت المنظور لتشمل قضايا أوسع تتعلق بالصدمات النفسية والسيطرة الاجتماعية. المسلسل يسلط الضوء على كيف يمكن للتجارب المؤلمة في الماضي أن تؤثر على سلوك الأفراد، وكيف يمكن للمؤسسات أن تستغل هذه الضعف لتحقيق أهدافها الخاصة.
شخصية إيفيلين: تجسيد للسلطة المتسلطة
تعتبر شخصية إيفيلين، مديرة المدرسة، من أبرز الشخصيات في المسلسل. تجسد إيفيلين السلطة المتسلطة، والكاريزما الغامضة، والقدرة على التلاعب بالآخرين. أداء الممثلة توني كوليت لهذه الشخصية حظي بإشادة واسعة من النقاد والجمهور على حد سواء.
إيفيلين ليست مجرد “شريرة” نمطية، بل هي شخصية معقدة تسعى لتحقيق رؤيتها الخاصة للعالم. تعتقد إيفيلين أن المدرسة هي المكان المناسب “لتصحيح” سلوك المراهقين، وأنها تمتلك المعرفة والخبرة اللازمة لتحقيق ذلك. ولكن أساليبها غالبًا ما تكون قاسية وغير أخلاقية، مما يثير تساؤلات حول حدود سلطتها ومسؤوليتها.
المفارقة البصرية بين النور والظلام
اعتمدت اللغة البصرية للمسلسل على التباين بين المشاهد المضيئة والمشاهد المظلمة. تُستخدم المشاهد النهارية الهادئة لخلق شعور بالسلام والهدوء، بينما تُستخدم المشاهد الليلية أو الداخلية لخلق شعور بالغموض والريبة. هذه التقنية البصرية تعزز الإحساس بالتوتر والتشويق، وتبرز المفارقة بين المظهر الخارجي للمسلسل ومضامينه الداخلية.
المراهقة هي محور رئيسي في المسلسل، ويتم استكشافها من خلال تجارب الشخصيات المختلفة. الصدمات النفسية تلعب أيضًا دورًا مهمًا في تشكيل سلوك الشخصيات ودوافعها. الإثارة النفسية هي عنصر أساسي في المسلسل، ويتم تحقيقها من خلال استخدام تقنيات سردية بصرية مبتكرة.
من المتوقع أن تعلن “نتفليكس” قريبًا عن مصير المسلسل، وما إذا كان سيتم تجديده لموسم ثانٍ أم لا. يعتمد هذا القرار على ردود فعل الجمهور، وتقييمات النقاد، والتكاليف الإنتاجية. في الوقت الحالي، لا يزال مستقبل “واي ورد” غير مؤكد، ولكن من الواضح أن المسلسل قد أثار نقاشًا مهمًا حول قضايا المراهقين والصدمات النفسية.





