بروتوكول “هانيبال” و”طوفان الأقصى”.. أن يدمر الاحتلال غزة ويضحي بأسراه
في الأول من أغسطس/آب 2014 أو ما يعرف بيوم “الجمعة الأسود”، يفقد جيش الاحتلال التواصل مع أحد ضباطه وهو هدار غولدين، فيجن جنونه، ويُفعل بروتوكول “هانيبال”، ويدمر رفح عن بكرة أبيها، ويرتكب المجازر بحق المدنيين مخلفا مئات القتلى والجرحى في ساعات معدودات.
وكان هدف هذا التدمير الواسع النقاط إحباط عملية أسر هيدار، ولكنه خرق الهدنة الإنسانية التي كانت معلنة يومها بين طرفي الحرب وانهارت بشكل جنوني بعد عملية “رفح” وقتل نحو 150 شهيدا فلسطينيا غالبيتهم من المدنيين عبر تفعيل “إجراء هانيبال” المتبع لمنع أسر الجنود والذي يسمح بتعريض حياة الجندي المخطوف للخطر بهدف منع أسره.
والسؤال ماذا سيفعل الاحتلال اليوم وغدا وفي المستقبل القريب بعد أن أسرت المقاومة الإسلامية العشرات بعد أن كان يدمر مناطق من أجل جندي أو ضابط أسير؟
تجيب صحيفة “إسرائيل هايوم” عن السؤال، طارحة سيناريو تدميريا يفوق بوحشيته أقصى أوجه بروتوكول أو توجيه أو إجراء “هانيبال” الذي يعتمد في جوهره على سياسة الأرض المحروقة ومفهوم “جندي قتيل أفضل منه أسيرا”.
تقول الصحيفة، إن “هذه المرة يتعين على إسرائيل إعادة غزة إلى العصر الحجري، فتختطف كبار مسؤولي حماس وعائلاتهم، وتدمر منازلهم الرائعة والمباني الشاهقة والمطاعم والمنتزهات فيها. واتخذ وزير الطاقة الخطوة الصحيحة وأوقف إمداد غزة بالكهرباء الإسرائيلية وحتى في الأيام العادية من المستحيل فهم سبب وجودها”.
وتتابع أن “علينا سحقهم وجعلهم يركعون على ركبهم حتى يصرخوا بما فيه الكفاية، وضربهم بلا رحمة”.
وأوضحت “علينا تجاهل أحكام المحكمة العليا ودعوات منظمة (بتسيلم)، لن يكون هناك حدود لتدخلنا ومن دون رحمة. وإذا كنا قلقين بشأن ما تقوله محكمة العدل الدولية في لاهاي، فهناك ما يكفي من المتطوعين الذين سيقومون بهذه المهمة”.
ومضت في “مخططها” أنه “يجب عدم إعادة توصيل الكهرباء حتى عودة آخر أفراد شعبنا، وجنود جيش الدفاع الإسرائيلي أورون شاؤول وهدار غولدين. وإذا لم يساعد ذلك، فلا بد من قصف محطة الطاقة الموجودة في غزة أيضا”.
إضافة إلى ذلك “يجب حظر صيد الأسماك بشكل كامل، ومطالبة المصريين بإغلاق معبر رفح على الفور، ووقف جميع الإمدادات إلى غزة، بما في ذلك المياه والغذاء، حتى تصرخ أمهات غزة إلى السماء بسبب معاناتهن”.
شهد شاهد من أهلهم
فهذه الصحيفة المقربة من الجيش، لا تأخذ بعين الاعتبار في مخططها ومقالها أن هناك عشرات أو حتى مئات الأسرى الإسرائيليين في غزة، فرفعت شعار “اضرب ودمر واقتل دون رحمة”، وهذه دعوة غير مباشرة لتفعيل بروتوكول “هانيبال”.
ويبدو أن الجيش الإسرائيلي بدأ تطبيقه بالفعل في الحرب الأخيرة على غزة والتي سميت “السيوف الحديدية” وذلك عقب صدمة “طوفان الأقصى” الذي أسفر عن مقتل وجرح وأسر آلاف الإسرائيليين.
ويقول أبو عبيدة الناطق الرسمي باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن “العدو قتل عددا من جنوده بعد أن أسرهم القسام” وقبل أبو عبيدة، كان قد شهد شاهد من أهلهم.
وقبل يومين، كشف المراسل العسكري لإذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، دورون كادوش، أن سلاح الجو شن هجوما “غير عادي” استهدف موقع “إيريز” العسكري شمال قطاع غزة، بعد اشتباكات دامية شهدها الموقع بين مقاتلي القسام وجنود الاحتلال في المنطقة.
ولم يوضح كادوش أسباب هذا القصف ولكنه من الواضح أن القصف الجوي الذي قد يؤدي إلى سقوط قتلى من جيش الاحتلال، يهدف لمنع تعرض جنود آخرين للأسر وبالتالي زيادة غلة المقاومة من الأسرى العسكريين، أي بكلام غير مباشر تفعيل “بروتوكول هانيبال”.
ولكن ما بروتوكول “هانيبال”؟
هو إجراء يستخدمه جيش الاحتلال (الوحيد بين جيوش العالم) لمحاولة منع أسر جنوده، وكانت الصيغة الأولية تفيد أن “عملية الاختطاف يجب أن تتوقف بكل الوسائل، حتى لو كان ذلك على حساب ضرب قواتنا”.
وخلافا للانطباع العام بأن “بروتوكول هانيبال” أُدخل إلى الجيش الإسرائيلي عام 2001، كشف ضباط إسرائيليون متقاعدون ووسائل إعلام محلية أن البروتوكول صيغ منذ إبرام صفقة الأسرى الأولى بين إسرائيل و”الجبهة الشعبية القيادة العامة” بقيادة أحمد جبريل في العام 1985.
وصيغت نصوصه رسميا منذ ذلك الوقت، وجرى تعميمه على الجنود خلال حالات الحرب، على الرغم من أنه كان معمولا به خلال الحرب الأولى على لبنان عام 1982، بشكل شفهي وغير مكتوب.
وبالعودة لصفقة التبادل، فخلال الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 استطاعت “الجبهة الشعبية القيادة العامة” أسر عدد من الجنود الإسرائيليين، وعمل الإسرائيليون 3 سنوات لإيجادهم لكنهم أخفقوا لينصاعوا إلى شروط “الجبهة” ويطلقوا 1125 أسيرا بينهم محكومون بالإعدام، لتكون هذه الصفقة، الشرارة التي انطلقت منها فكرة “بروتوكول هانيبال” والذي يهدف إلى تجنب الدخول في مفاوضات شاقة ومذلة لعقد صفقة تبادل السجناء تدمر “هيبة إسرائيل وصورتها وصورة جيشها في العالم”، بحسب الصحفي الإسرائيلي في جريدة هآرتس أوري ميسكاف.
وبعد صفقة عام 1985 توالت الصفقات و”الخيبات ودفع الثمن الباهظ مقابل كل أسير” بحسب وصف الجنرال الإسرائيلي المتقاعد شالوم بن موشي، لتكون “الضربة القاضية” في صفقة تبادل الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أفرج عنه عام 2011 بعد 5 أعوام من أسره مقابل 1027 أسيرا فلسطينيا وهو رقم قياسي لأعداد المحررين من السجون الإسرائيلية مقابل جندي إسرائيلي واحد.
قتل الخاطف والمخطوف
ومن بين 11 إسرائيليا طُبق عليهم البروتوكول في 7 بلاغات، لم ينج سوى جندي واحد وهو جلعاد شاليط، نظرا لأن إعلان تطبيق التوجيه جاء متأخرا بحيث لا يكون له أي تأثير على سبب الأحداث.
كان المحلل العسكري الإسرائيلي إيال عاليمه، قال للجزيرة نت -قبل فترة- إن الخطة الجديدة لبروتوكول “هانيبال” أكثر صرامة، حيث تطالب الجيش باستخدام كل قدراته حتى القوة العنيفة لمنع وقوع عملية الأسر “حتى وإن استدعى الأمر إطلاق النار وبكثافة باتجاه الأراضي الإسرائيلية إن وقع الأسر بها وليس فقط بمناطق العدو الفلسطيني”.
وتابع أن “تفاصيل كثيرة خاصة بالأمر العسكري لم تعرف حتى للجنود، وإن الأمر يكتنفه الغموض والضبابية حيث إن الجيش يتعامل حتى اللحظة بالأمر الذي يبدو أنه أعد له من فترة طويلة بسرية كاملة”.
من هو هانيبال؟
لكن المحلل الإسرائيلي يضيف أنه بكل الأحوال يجب ألا يُفهم -ووفق ما أوضح قائد الأركان آيزنكوت- أن الأمر الجديد يعني السماح بقتل الجنود، مشيرا إلى أن قادة عسكريين ربما فسروا الأمر القديم بأنه يسمح بقتل الجندي المخطوف بعد أسره ونقله لمناطق أخرى (للمقاومة).
وختم عاليمه أنه “يعتقد بوجود تناقض في الأمر العسكري الجديد، وتساءل: كيف تعطي الأوامر لإطلاق النار على الخاطف والمخطوف وكيف يمكن تجنب قتل المخطوف؟.
يذكر أن هانيبال بنْ حَملقار برقا هو قائد عسكري قرطاجي ينتمي إلى عائلة برقا البونيقية العريقة، ويُنسب إليه اختراع عدة تكتيكات حربية في المعارك لا تزال معتمدة حتى اليوم.