نفحات رمضانية اليوم الثامن السخاء في رمضان عبادة تتجدد ومعانٍ تتألق بقلم أ/ شيرين يحيى

يأتي رمضان ليكون شهر الخير والعطاء حيث تفيض النفوس بالكرم، وتتنافس الأيادي في البذل، ويتجلى السخاء بأجمل صوره. فالسخاء ليس مجرد فعل مادي، بل هو قيمة روحية تتجذر في أعماق الإنسان، تفتح أبواب الرحمة وتزيد من الألفة بين الناس. ففي هذا الشهر الكريم، تتعاظم معاني البذل؛ لأن النفوس تكون أكثر قربًا من الله، وأكثر استشعارًا لحاجة الآخرين.
فلقد كان رسول الله ﷺ أكرم الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حيث كان لا يرد سائلًا ولا يحجب خيرًا عن محتاج، بل كان سخاؤه يتجاوز العطاء المادي ليشمل الرحمة واللين، فكان يعطي بسخاء في القول كما يعطي في الفعل، ويجود بنفسه قبل أن يجود بماله. فلقد علمنا ﷺ أن السخاء ليس فقط أن تنفق مما تملك، بل أن تمنح من روحك، أن تكون كريمًا في عفوك، سخيًا في تسامحك، رحيماً بمن حولك، فتكون يدك ممدودة دائمًا للخير، وقلبك عامرًا بالرحمة.
ففي رمضان، تتجلى معاني السخاء بأبهى صورها، حيث تمتد موائد الإفطار عامرة بما تجود به الأيادي الكريمة، وتتنوع صور العطاء بين إطعام الطعام، ومساندة الضعفاء، وتقديم الصدقات، وتخفيف الأعباء عن المحتاجين. ولكن السخاء لا يتوقف عند حدود المال، بل يتجاوزه ليشمل الوقت، فكم من شخص يجود بوقته في خدمة الآخرين ! وكم من إنسان يمنح من جهده في سبيل إسعاد غيره! وكم من قلب كريم يسخو بحنانه وكلماته الطيبة! ، فيعيد الأمل لمن فقده، ويمسح الألم عن من أثقلته الهموم.
فالعطاء في رمضان ليس فقط بابًا للأجر، بل هو طريق للسعادة. فالسخيّ هو أكثر الناس سعادة وراحة ، لأن البذل يحرر الروح من الأنانية، ويفتح أبواب البركة في الحياة.
والعجيب أن من يعطي، هو أكثر من ينال، لأن العطاء يرد لصاحبه بأشكال لا يتوقعها، فقد يكون في سعادة داخلية تغمر قلبه، أو في تفريج كربة عنه، أو في بركة تمتد إلى حياته وأهله.
ولذلك فالسخاء لا يرتبط فقط بالمقدرة، بل هو نية تنبع من القلب، فمن لم يجد ما يقدمه من مال، يستطيع أن يقدم كلمة طيبة، أو ابتسامة دافئة، أو مساعدة صغيرة قد تبدو غير ذات أهمية لكنها عند من يحتاجها تساوي الكثير.
فليس السخيّ من يملك الكثير، بل من يعطي مما يملك ولو كان قليلًا، والعطاء الحقيقي هو الذي يكون خالصًا لله دون انتظار لمقابل أو شكر.
فرمضان هو فرصة عظيمة لتجديد معنى العطاء في حياتنا، لنراجع أنفسنا، ونسأل: كيف يمكن أن نكون أكثر سخاء؟ كيف نجعل من العطاء عادة دائمة لا تقتصر على هذا الشهر فقط؟ فإن من تعوّد البذل في رمضان، سهل عليه أن يستمر فيه بعده، ومن ذاق لذة العطاء لن يستطيع التخلي عنها؛ لأن العطاء ليس فعلًا مؤقتًا، بل هو أسلوب حياة يرفع الإنسان، ويجعله أقرب إلى ربه، وأكثر حبًا للخير، وأشد ارتباطًا بقيم الرحمة والإنسانية.
فلنجعل من هذا الشهر بداية جديدة للسخاء، ليس فقط بالمال، بل بالمشاعر، والوقت، والجهد، والكلمة الطيبة، ولنمنح بلا حساب، ونعطي دون انتظار، متيقنين أن ما نقدمه سيعود إلينا أضعافًا مضاعفة بطرق لا نتوقعها، وبركات لا نحصيها، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
انتظرونا غدًا مع نفحة جديدة من نفحات رمضانية، لنتأمل معًا المزيد من دروس هذا الشهر المبارك.