ماذا حققت سوريا اقتصاديا بعد عام على سقوط الأسد؟

شهدت سوريا، بعد عام من التحولات السياسية، تطورات اقتصادية متباينة. وبينما بدأت بعض المؤشرات بالتحسن، لا تزال التحديات البنيوية العميقة قائمة. يركز هذا المقال على تحليل الوضع الاقتصادي في سوريا، مع التركيز على جهود الإصلاح، ورفع العقوبات، والآفاق المستقبلية للاستثمار والنمو، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه القطاع المصرفي. وتظهر البيانات الاولية نمواً متزايداً في حجم الاستثمار في سوريا.
إجراءات حكومية ورفع العقوبات
اتخذت الحكومة السورية سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى إعادة البلاد إلى دائرة الاقتصاد العالمي، بما في ذلك السعي لرفع العقوبات الدولية. ووفقًا لبيانات رسمية، فقد تمكنت دمشق من استئناف علاقاتها مع بعض المؤسسات المالية الدولية، كما شهدت الشهر الماضي عودة إلى نظام “سويفت” (SWIFT)، مما يسهل التحويلات المالية مع البنوك العالمية.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل الحكومة على تحسين البيئة التشريعية والاستثمارية بهدف جذب رؤوس الأموال. وتشير التقارير إلى أن الحكومة قد وافقت على حزمة من القوانين الجديدة التي تهدف إلى تبسيط إجراءات الاستثمار وتوفير حوافز للمستثمرين الأجانب.
عودة المستثمرين والخبرات
يأمل المسؤولون السوريون في عودة رجال الأعمال الذين غادروا البلاد خلال فترة الحرب، للاستفادة من خبراتهم في جهود إعادة الإعمار والتنمية. وقد أعلنت وزارة الاقتصاد عن برنامج خاص لتشجيع هؤلاء المستثمرين على العودة، يتضمن تسهيلات ائتمانية وإعفاءات ضريبية.
تحديات تواجه القطاع المصرفي
على الرغم من الجهود المبذولة، لا يزال القطاع المصرفي السوري يواجه تحديات كبيرة. أبرز هذه التحديات هو غياب البيانات الاقتصادية الدقيقة، مثل الناتج المحلي الإجمالي ومعدلات التضخم وميزان المدفوعات. هذا النقص في المعلومات يعيق قدرة المصارف على تقييم المخاطر واتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني القطاع المصرفي من نقص في السيولة الدولارية، مما يحد من قدرته على تمويل المشاريع الاستثمارية. ويحتاج القطاع إلى إصلاحات هيكلية شاملة لتعزيز الثقة وتحسين الأداء.
وتعتبر المشاكل المتعلقة بالعملة الصعبة من أبرز التحديات التي تواجه سير العمل في البنوك والمؤسسات المالية المحلية.
آفاق مستقبلية للنمو الاقتصادي
يشير اقتصاديون إلى أن رفع القيود الغربية والأمريكية قد يساهم في تحسين العمليات المالية وإعادة تنشيط القطاع المصرفي. كما أن عودة الاستثمارات الأجنبية والعربية يمكن أن تعزز تدفق السيولة الدولارية وتخلق فرص عمل جديدة. وتشير التقديرات إلى أن حجم الاستثمار في سوريا قد يتضاعف خلال السنوات القادمة.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الاستثمارات الأجنبية بلغت حوالي 28 مليار دولار خلال العام الماضي، وهو ما يمثل أكبر حجم استثمار منذ سنوات طويلة. وتتركز هذه الاستثمارات بشكل رئيسي في قطاعات العقارات والبنية التحتية والطاقة.
تحسين البنية التحتية
شهدت البنية التحتية في سوريا تحسينات تدريجية، بما في ذلك فتح الطرق الرئيسية وتأهيل شبكات النقل. كما تم إطلاق مشاريع لإعادة بناء الموانئ والمطارات، بهدف زيادة القدرة الاستيعابية وتحسين الخدمات اللوجستية. هذه التحسينات في البنية التحتية ستساهم في تسهيل حركة التجارة وتشجيع الاستثمار في سوريا.
الوضع في قطاع الكهرباء
شهد قطاع الكهرباء تحسناً ملحوظاً، حيث ارتفع متوسط تزويد المواطنين بالكهرباء من 4 ساعات يومياً إلى 10 ساعات. كما تم توفير تغذية كهربائية كاملة للمدن الصناعية، مما أتاح للمصانع استئناف الإنتاج بكامل طاقتها. ويعتبر توفير الكهرباء عنصراً أساسياً لجذب الاستثمار في سوريا، وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
إجراءات التخفيف عن السوريين
في محاولة للتخفيف عن المواطنين السوريين، اتخذت الحكومة عددًا من الإجراءات، بما في ذلك خفض أسعار المشتقات النفطية ورفع الرواتب والأجور. وتشير التقديرات إلى أن هذه الإجراءات قد ساهمت في تحسين القدرة الشرائية للمواطنين وتخفيف الضغوط المعيشية.
وتتوقع الحكومة زيادة الرواتب والأجور مرة أخرى في المستقبل القريب، بهدف سد الفجوة بين الدخل وتكلفة المعيشة. هذه الإجراءات تعتبر ضرورية لتحقيق الاستقرار الاجتماعي وتشجيع الاستثمار في سوريا من خلال تعزيز الثقة بالمستقبل.
يبدو أن سوريا تتجه نحو مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي، ولكن تظل هناك تحديات كبيرة يجب التغلب عليها. مراقبة التطورات السياسية والأمنية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ونجاح جهود رفع العقوبات، سيكون أمرًا حاسمًا في تحديد مسار الاستثمار في سوريا في الفترة القادمة. من المنتظر أن تعلن الحكومة عن خطة خمسية جديدة للتنمية الاقتصادية بحلول نهاية العام القادم.





